رأيتُ في هذا العنوان البسيط والعميق، المأخوذ من مسرحية حسين طبيشات، تأليف يوسف العموري، التي تحكي بشكلٍ ساخر عن هموم الإنسان العربي، أجمل تعبير عن الكوميديا السوداء التي نعيشها اليوم في العالم العربي . أمامهذا الركام البائس من التجاوزات، أتساءل بلا أجوبة : لوينرايحين؟ هل يُعْقَل؟ .
هليمكنني اليوم أن أتحدث براحة بدون أن أُتهم بالمبالغة أو النرجسية؟ رأيتُ، كما العديد من زملائي الكُتَّاب، رواياتي في كبريات المدن العربي، مقرصنة، وحتى في المعارض التي يفترض أن تكون محمية بقوانين حق الملكية الفكرية، تُباع بأثمان زهيدة وبلا رقيب . صُدمتأول مرة لدرجة أني حضّرت نفسي لرفع شكوى ضد القرصنة . وبدأتبالإجراءات مع وكيلتي الأدبية في باريس، التي اتصلت بهيئات دولية مختصة في جنيف وبروكسل حتى توقف هذه المهزلة، لأن عربيا للأسف، لا يوجد أي قانون يُجرِّم الجاني، وإذا وجد، فهو لا يُفعَّل . بعدشهر من الاتصالات مع العارفين والمهنيين عربياً، أوقفت الإجراء من طرفٍ واحد، معتمداً في ذلك على ردّة فعل أحد الناشرين العرب، الكبار : حبيبي،هذه هي السوق العربية . محظوظأن كتبك تُقَرصن . غيرككان يقيم عرسا على هذا . هذايضمن رواجا واسعا للروايات . القرصنةدليل حركة صحية للكتاب . المُقرصنليس غبيا، بل شديد النباهة . يعرفجيدا ضحيته . لايضيع وقته . يقرصنما يعود عليه بالربح الوفير دون أن يخسر مليما، وسط غابة لا قوة تردعها . أصابنيدوار مما سمعته، ومن ناشر يفترض أن يكون مدافعا عن منتوجه . أكدلي ذلك أن القرصنة لم تعد عملا فرديا عابرا، لكنها مؤسسة قائمة بذاتها . ماذايمكن لكاتب مثلي أن يفعل أمام ناشر عربي مستسلم كليا لآلة قتل الكتاب وابتذاله؟ فضّلت أن لا أكون ملكيا أكثر من الملك، في انتظار تطبيق حتى القوانين الأخلاقية والعرفية . المرتبطةباحترام الإنسان فقط . الناشرمستسلم، إن لم يكن بعضهم متواطئا . فقدسمعت من وكيلتي شيئا أوقف شعر رأسي، من الكثير من المكتبيين، مفاده أن بعض دور النشر تنشر الكتاب الطبيعي الذي تدفع فيه مستحقات الكاتب، وتنشر الآلاف من النسخ المزورة بورقٍ بائس، لا حقوق فيها، تذوب في أسواق الكتاب الموازية وحتى في المكتبات بما فيها الجامعية والبلدية؟ هل يعقل؟ استسلمت، وأنا أدرك سلفا أن ذلك سيضر بمبيعات الكتاب القانوني، وبمردوده المالي، الذي يذهب نحو الأطفال المرضى بالسرطان .
وأنابفلسطين، في قمة فرحي بوجودي هناك، نبّهني العزيز نضال خندقجي وهو صاحب مكتبة في نابلس، بأن روايتي العربي الأخير مقرصنة بمصر وتُباع في معرض رام الله، وفي بقية المدن العربية . ذهبتنحو الدار التي تبيع الرواية وكأني مجرد قارئ، وسألت الشاب البائع، إذا كانت لديه روايات أخرى لنفس الكاتب، فأتاني بمجموعتي الروائية كلها مقرصنة، ومعها هدية جميلة، ذاكرة الماء في طبعة ذهبية، في سلسلة الألف كتاب العالمية . سعدتبأن كتابي في السلسلة العالمية المترجمة من كل اللغات . لكنيأصبت بدوار جديد مما رأيته وقرأته على غلاف الرواية، رواية Memory of water مترجمةعن الأصل العربي . حاولتأن أفهم المنطق الخفي، في النهاية ضحكت، عندما شرح لي البائع بأن رواية ذاكرة الماء ترجمت من الإنجليزية إلى العربية، وفي يدك النسخة المترجمة . أردتأن أقول له : هيكتبت أصلا باللغة العربي، فكيف نترجمها إلى العربية؟ ضحكت بمرارة، ثم دفعت له وانسحبت . هليُعقل أن يصل وضع الكتاب إلى هذا الحد من السطو والانحطاط؟ .
أخطرالمفاجآت ما حدث لي هذا الأسبوع . لمأتخيل يوما في حياتي، أن تنشر رواية ( أوغلافها ) لاعلاقة لي بها، ولا بصاحبها، ولم أسمع بها . كُتِبتعلى ظهر غلافها مع صورتي، كلمة تقريظية في جهود هذا الروائي الكبيرة : «أجادالكاتب في رسم وتوضيح هذه الأساليب بصورة بالغة الدقة والعمق . ويبدوأن الكاتب قام باستقراء وتتبع كل أساليب المحققين في السجون بشكل شخصي ومباشر ...»،عندما نبهتني أول مرة الدكتورة سهام، وهي المشرفة على بعض صفحاتي، إلى الغلاف وكلمتي الوهمية، بقيت مشدوهاً داخل دوار جديد؟ هل يُعقل أن يصل التعدّي إلى هذا الحد؟ أغفر أخطاء طموح الرغبة في الوصول السريع، لكن الزعرنة لا . وأيذكاء هذا، في عالم أصبح مكشوفا . مثلهذه التعديات تعني لي شيئًا واحدًا ووحيدًا، وهو أننا عبرنا حدود اللا رجوع نحو عصر الانحطاط الثاني، نهائيًا .