ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع، وبعيدًا عن ارتفاع الأنظمة السياسية ووقوعها، أتناول طيورًا اقتصادية عملاقة حلقت منذ أمد طويل، وهي اليوم توشك أن تقع محملة بأوزانها الضخمة وأحمالها الثقيلة وديونها الكبيرة، ولم يشفع لها تاريخها القديم ولا إرثها العتيق، ولا أمسها السعيد.
هذه شركة سيرز Searsالتجارية العملاقة المتخصصة في تجارة التجزئة على مستوى الأقسام المتخصصة التي تحاول تسويق معظم احتياجات المتسوقين بدءًا بالملابس وانتهاء بالكماليات وصيانة السيارات وقطع غيارها، وكذلك الأجهزة المعمرة مثل الثلاجات والغسالات وموائد الطبخ وغيرها.
وعندما كنتُ معيدًا مبتعثًا في الولايات المتحدة الأمريكية أواخر السبعينيات الميلادية كانت متاجر سيرز تمثل أيقونة بارزة بين نظيراتها، تمتاز بجودة منتجاتها ومتانة علاماتها التجارية المشهورة مثل كينمور وكرافتسمان وبطاريات داي هارد، وحتى تتحقق نبوءة السقوط، أقدمت الشركة الأم لسيرز على شراء متاجر كي مارت، وهي الأخرى تعاني من تدهور أحوالها وتراجع مبيعاتها وضعف الإقبال عليها، فكانت كالغريق الذي يمد يده إلى غريق آخر.
وفي الأسبوع الماضي أعلنت الشركة الأم أن الإفلاس محتوم إذ لم تستطع توفير السيولة الكافية، خاصة وأنها توظف 140 ألف شخص منتشرين في مئات الفروع عبر القارة الكبيرة، وهي غالبًا لن تستطيع الصمود طويلاً أمام مصيرها الذي يتراءى في الأفق، وهو عنها غير بعيد.
الدرس الكبير هو استيعاب أن الأدوات القديمة لا تناسب المستجدات الحديثة، وأن من لا يواكب واقع الميدان سيتضرر حتمًا مهما طال صموده وكثرت موارده! ومن الأدوات الحديثة التي أصابت سيرز في مقتل؛ التجارة الإلكترونية التي التهمت جزءًا كبيرًا من أسواق التجارة التقليدية التي حاولت الاحتفاظ بالزبون عبر آليات شتى، كالدعايات وتطوير المنتجات وإعلانات التخفيضات والتسويق الجاد وغيرها، لكنها جميعًا باءت بالفشل في ظل وجود متاجر إلكترونية عملاقة توفر على العميل الوقت كما توفر له المال.
وما أدراك ربما كانت سيرز صورة مستقبلية ومصغرة للحضارة الأمريكية المتسلِّطة، التي تأبى إلاّ اتباع الطرق القديمة من تدبير للانقلابات ولي للأذرعة وإفساد في الأرض.
وما طار طير وارتفع، إلاّ وكما طار وقع!.