تَأتِي عَلَى الإنسَانِ سَاعةٌ مِن الدَّهرِ، يُدركه فِيهَا الإحبَاط، ويَستَولي عَليه اليَأس، وتُصبِح كُلّ الألوَان فِي نَظره سَودَاء، تَغمُّ النَّاظرين..!
لَيس مِنَّا إنسَان، إلَّا وتَمرّ عَليه لَحظَات الإحبَاط واليَأس، والهَمّ والغَمّ، وهَذا مِصدَاق لقَوله تَعَالَى: (ولقَد خَلقنَا الإنسَان فِي كبَد)، ومَا الحيَاة إلَّا سِلسلَة طَويلَة مِن المُكَابَدَة، التي تَفصل بَين سَلَاسلهَا؛ رَشحَات ونَفحَات مِن السَّعَادَة..!
تَأتيكَ مُصيبةٌ أَو تَحلُّ بِكَ خِسَارةٌ مَاليَّة، أَو يَسرق اللّصوص أَشيَاءك الثَّمينَة، حِينهَا يَرتَفع عِندك مُعدَّل اليَأس، ويَصعد فِي عَقلك مُؤشِّر الإحبَاط، ولَا تَرَى مَفرًّا مِن ذَلك، إلَّا اللّجوء إلَى الله، مُتضرِّعاً إليهِ بأنْ يَشرَح صَدركَ، ويُيسِّر أَمركَ..!
دَائِماً إذَا مَررتُ بلَحظةِ إحبَاط؛ أَتذكَّر إحسَاس الفَيلسوف «تايلر»، حِين سَرَق اللّصوص مَنزله، واستَبدَّ بِهِ اليَأس، وخَرَج مِنه إلَى عَالَم الأَمَل والحيَاة، واستنشَاق النَّسيم العَليل، فقَال: (سَلبني اللّصوص مَا سَلبوا، ولَكنَّهم تَركوا لِي الشَّمس المُشرِقَة، والقَمَر المُنير، والحيَاة الفضيَّة، وزَوجَة مُخلِصَة تَسهَر عَلى مَصَالحي، وتَربية أَطفَالي، ورُفقَاء يَشدّون أَزري، ويَأخذون بيَدي في كربِي، فمَاذا سَلَبني اللّصوص بَعد ذَلك؟، لَا شَيء، فهَا هو ذَا؛ ثَغري بَاسِم، وقَلبي ضَاحِك، وضَميري نَقي طَاهِر)..!
إنَّ العُقلَاء -كُلّ العُقلَاء- إذَا أَصَابتهم مُصيبَة لَا يُفكِّرون بِمَا فَقدُوا، بَل يَتأمَّلون مَا بَقي فِي أَيديهم مِن خَيراتٍ ونِعَم، (وإنْ تعدُّوا نِعمة الله لَا تحصوهَا)، وهَذا لَيس كَلَاماً لتَسكين المَواجِع، وتَثبيت المَواضِع، بَل هو كَلَامٌ عَقلي ومَنطقي، يَنطلق مِن قَاعدة مَا حَصَل قَد حَصَل، ومَا سُرِق قَد سُرِق، وعَلينَا أَنْ نُفكِّر بِمَا بَقي فِي أَيدينَا، ونَنطَلَق مِن اليَوم إلَى الغَد، ولَا نَعود مِن اليَوم إلَى الأَمس..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: مَا أَجمَل نَظريّة «إيليا أبوماضي» حِين قَال:
قَال: السَّمَاءُ كَئيبَةٌ، وتَجهّما
قُلت: ابتَسم يَكفي التَّجهُّم فِي السَّمَا
قَال: الصِّبَا وَلَّى، فقُلت لَه: ابتَسم
لَن يُرجع الأَسَفُ الصِّبَا المُتصرِّمَا!