تحتاج مؤسَّساتُنا التعليميَّة لمعلِّمين غير تقليديين، يستطيعون القيام بأدوار تعليميَّة وتربويَّة متجدِّدة تتجاوز مجرد إلقاء المعلومات إلى دور تعليمي فاعل يتَّجه نحو تعليم التلاميذ كيف يتعلَّمون؟ وكيف يفهمون حياتهم المعاصرة بتعقيداتها المختلفة، ويدركون بالتالي ما يكتنفها من مشكلات وتحديات فكريَّة وثقافيَّة وتقنيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة واجتماعيَّة، والتي جاءت معظمها بفعل إفرازات العولمة حتَّى يمكنهم التعاطي معها، والمساهمة بفعاليَّة في الحفاظ على هويتهم الثقافيَّة، وتطوير ذواتهم ومجتمعاتهم، وتحقيق طموحات أمتهم وقادتهم.. وهذا لن يتأتى -بلا شك- إلاَّ من خلال إعداد معلم كفؤ يمتلك الكفايات الشخصيَّة والعلميَّة والمهنيَّة العالية.
ومع تقديري البالغ للجهود الحثيثة التي تبذلها كليات التربية بجامعاتنا السعوديَّة في إعداد وتأهيل معلِّم التعليم العام لأداء رسالته التعليميَّة والتربويَّة، إلاَّ أنَّ الملاحظ بأنَّ الدور التعليمي والتربوي لهذا المعلم هو أقل بكثير ممَّا هو متوقع منه.. حيث لا يتعدَّى دوره في هذا الصدد مجرد نقل المعلومات الضخمة والتي تزخر بها مناهجنا الدراسيَّة، إلى أذهان التلاميذ وبطريقة نمطيَّة صرفة، لا يتجاوز مداها القدرات الدنيا من التفكير والمتمثل في الحفظ والاسترجاع، ولذلك أضحت معظم مدارسنا مملة وغير جاذبة، خاصة إذا عرفنا أن تلميذ اليوم لا تهمه كمية المعلومات، فهو يجد ضالته منها في البيت عن طريق الإنترنت دون أن يأتي إلى المدرسة.. فهو -في الواقع- يأتي إلى المدرسة يحدوه الأمل لأن يجد إجابات واضحة لما لديه من أسئلة محيِّرة حول ما يواجهه من ظواهر وتحديات مختلفة، كما يتوقع أن يجد في المدرسة، تحفيزًا مستمرًا لتعليمه، وتذليلاً لكافة العقبات التي قد تعترض سبيله.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما السبب في إخفاق معلمينا للاضطلاع بتلك الأدوار التعليميَّة والتربويَّة رغم ما توافر لديهم من إمكانات ضخمة في ميزانيات التعليم التي تقترب من 25%من الميزانيَّة العامَّة للدولة، لكننا نلاحظ -رغم ذلك- ضعفًا في مخرجات العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة، وبشكل واضح للعيان، والسبب الأول في يقيني يعود إلى ضعف عمليَّة إعداد المعلم في كليَّاتنا التربويَّة، حيث يلاحظ قِدَم برنامج إعداد هذا المعلم، الذي مضت عليه سنوات طويلة دون أن يخضع لعمليَّة تطوير بمعايير علميَّة دقيقة؛ ليواكب مطالب الأدوار التعليميَّة والتربويَّة لمعلم اليوم في ظل المتغيرات والتحدِّيات المختلفة التي تنتاب مجتمعاتنا العربيَّة والإسلاميَّة، والسبب الآخر في ضعف المعلم لدينا -في اعتقادي- يرجع إلى تغييبه من الدورات التدريبيَّة أثناء الخدمة، حيث يلاحظ أنَّ كليَّاتنا التربويَّة تُدَرِّب قياديي المدارس، ووكلاءهم، علاوة على المشرفين التربويين، ومرشدي التوجيه والإرشاد الطلابي، ومسؤولي مراكز مصادر التعلم وغيرهم من الممارسين للعمليَّة التربويَّة، أمَّا المعلم فهو مُغَيَّب تمامًا عن هذه الدورات رغم أهميَّته البالغة في العمليَّة التعليميَّة والتربويّة.
وفي الختام فإنَّني أناشد مديري جامعاتنا بعامَّة، وعمداء كليات التربية بخاصَّة للعمل وبخطى حثيثة على تطوير برامج إعداد معلمي التعليم العام في بلادنا، وتدريبهم أثناء الخدمة؛ تحقيقًا لتطلعات ولاة أمرنا في الوصول بمؤسَّساتنا التعليميَّة إلى المنافسة العالميَّة، ووفاءً بمطالب الرؤية التنمويَّة الطموحة لبلادنا.