نجحت قمة البحر الميت في إعادة بعض من الحرارة لمؤتمرات القمة العربية بعد أن كاد البعض ينعيها نتيجة الحضور الضعيف للقادة في المؤتمرات السابقة وخاصة الأخير بموريتانيا ، ولم يؤثر على نجاحها استسلام ثلاثة من قادتها لغفوة قصيرة خلال إلقاء الكلمات ، إذ إن الخطابات العلنية ليست هي الجزء الهام من القمة بل اللقاءات الجانبية التي تميزت بنشاط ملحوظ ،وكان خادم الحرمين الشريفين من أكثر القادة استقطاباً لاهتمام الصحفيين ، نظراً لما كان يدور معه وحوله من لقاءات مباشرة وجانبية يجري خلالها بحث القضايا الهامة .
وبددت القمة قلقاً كان يسود اللبنانيين من أن تكون السعودية فقدت اهتمامها ببلدهم بعد أن تمكن حزب الله ، صنيعة إيران ، من التحول الى عامل سياسي يؤثر على مجريات أمور البلد وسط عجز الساسة اللبنانيين عن مواجهته ، إذ بدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ذلك القلق حين أمسك بيد سعد الحريري ، رئيس وزراء لبنان ، واستضافه في الطائرة الملكية المتجهة الى الرياض حيث كانت للحريري لقاءات هامة .. كما جرت لقاءات مهمة على هامش القمة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ترجمها المراقبون بأنها خطوة انتظرها الكثيرون لبعض الوقت على طريق إعادة الرابط القوي بين أهم دولتين عربيتين ، السعودية ومصر ، وكذلك الأمر مع القادة العراقيين الذين رحب بهم خادم الحرمين الشريفين وأكد لهم وقوف المملكة مع العراق . بالإضافة الى ذلك أدت اللقاءات الجانبية الى اتفاق متكامل على إدانة ورفض التدخلات الإيرانية في الدول العربية .
ورغماً عن ذلك وغيره إلا أن القمم العربية بحاجة الى إعادة ترميم وتوجيه ، فالاهتمام الشديد والتركيز المبالغ فيه على القضايا السياسية وملابساتها لا يكفي لنجاح هذه القمم ، إذ إن العنصر الأهم بالنسبة لتماسك اللحمة العربية يكمن في الاقتصاد ، حيث إن التجمعات السياسية الناجحة في مختلف أنحاء العالم ، أوربا وإفريقيا وآسيا والأميركيتين ، هي تجمعات اقتصادية ، والقوة الاقتصادية لأي تجمع هي الداعم الأساسي لتوثيق العلاقة فيما بين مكونات ذلك التجمع . لذا مطلوب لا تخصيص قمة للاقتصاد وإنما يطلب من الجامعة العربية التي تنظم هذه القمم ، أن تقوم بمراجعة وفرز القرارات التي صدرت في الماضي عن القمم العربية والمتعلقة بالنواحي الاقتصادية ، والسعي بجدية ، وبمساهمة أكثر الدول العربية تأثيراً ، لتحويل هذه القرارات الى برامج عمل يتم تطبيقها وتنفيذها في كل بلد يرغب بذلك ، بشكل يخلق تجمعاً عربياً اقتصادياً ضاغطاً على بقية الدول العربية لتنفيذ البرنامج المتفق عليه النابع من القرارات السابقة التي اتفق عليها القادة .
الاقتصاد هو المحرك الأساسي لكل نشاط بما في ذلك السياسي في أي بلد ، أما السياسة لوحدها وبمعناها الذي يتم تبادله حالياً ، وبدون السعي لتحسين الاقتصاد ، فليست سوى شعارات . واستمرار القمم العربية بهذا الشكل سيكون مأساة عربية ، إذ لن تتماسك لحمة العرب ، وستتواصل الخلافات الطارئة وسوء الفهم المستفحل ، ولن يتمكن العرب من ضمان تحرير فلسطين ولا بناء غد واعد لأبنائهم ، بل إنها معاناة متواصلة .. لذا نعود للقول إنه الاقتصاد أيها القادة .