طالبت عضوات بمجلس الشورى بألا يقتصر الإفتاء على المشايخ الرجال، وبإشراك أكاديميات متخصصات في أبحاث الفقه في الاستفتاء، وأخذت وسائل الإعلام تناقش حكم ولاية المرأة للإفتاء، والحديث عن ولاية المرأة للإفتاء يجر إلى حكم ولايتها القضاء، ومن أسانيد المعارضين لولايتها للإفتاء والقضاء حديث «لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة»، وهي رواية مفردة حُدّ راويها من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحد القذف، ولم يتم، وبذلك لا تُقبل روايته.
وهؤلاء أخذوا برواية غير مقبولة، وتركوا قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، هذه الآية التي تعطي المرأة حق الولاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا باب واسع تدخل فيه كل أنواع ولايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما فيها الإفتاء والقضاء، مثلها مثل الرجل، فبأي حق يحرمها المخلوق ممّا أعطاها إيّاه الخالق؟.
أمّا اشتراط الذكورة في القضاء، فهذا مجرد اجتهاد من بعض الفقهاء بدون نص، لذا نجد الأئمة أبا حنيفة والطبري وابن حزم أجازوا تولية المرأة القضاء، كما نجد الإمام ابن القيِّم أجاز فتيا المرأة، كإجازته فتيا الرجل.
كما نجد الإمام النووي ذكر أنّ شروط المفتي أن يكون مسلمًا، مكلفًا، ثقة، مأمونًا، متنزهاً من أسباب الفسق وخوارم المروءة فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط، متيقظًا، سواء فيه الرجل والمرأة.
وهناك من حصر فتوى المرأة للنساء، مع أنّ الآية القرآنية لم تحدد أن تكون فتوى النساء للنساء، وكانت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، تفتي في زمني أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد ملأت فتاويها كتب الصحاح، وكان كبار الصحابة وأعلامهم يستفتونها ويرجعون إليها، وأُخذت منها ربع الأحكام الفقهية، وفتاوى أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما مذكورة في كتب الحديث، وكانت أم سلمة وزينب وميمونة-رضوان الله عليهن- يُفتين.
وفي كل العصور في المجتمعات الإسلامية كان نساء فقيهات وعالمات يرشدن من كان يسألهن عن أمر من أمور الدين، ومن ذلك على سبيل المثال أم عيسى بنت إبراهيم الحربي، كانت عالمة فاضلة تفتي في الفقه، وأمة الواحد ستيْتة بنت القاضي أبي عبدالله الحسيني المحاملي، كانت عالمة فقيهة من أحفظ الناس على مذهب الإمام الشافعي، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة في بغداد، وأمة السلام بنت القاضي أبي بكر أحمد بن كامل، وفاطمة بنت محمد بن أحمد السمرقندي احتلّت مكانة عالية رفيعة في الفقه والفتوى، وكانت الفتوى تخرج وعليها توقيعها وتوقيع أبيها وزوجها، فلما مات أبوها كانت توقع على الفتوى هي وزوجها «الكاساني» لفقهها الواسع، وأم زينب الواعظة فاطمة ابنة عباس الفتح، الشيخة الفقيهة العالمة المسندة المفتية البغدادية ذكرها ابن رجب فقال: إنّها كانت تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، علا صيتها وانتفع بها خلق كثير.
للحديث صلة.