Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أحمد أسعد خليل

فن الاختلاف

A A
دائمًا ما نختلف مع أقرب الناس إلينا ولكن مع ذلك لا نحاول أن نفقدهم أو نقصيهم أو نبعدهم من حياتنا من خلال هذا الاختلاف وكما يقولون اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، والاختلاف موجود منذ أن خلق الله سيدنا آدم عليه السلام حتى يومنا هذا وسوف يكون حتى يرث الله الأرض ومن عليها وأعتقد أننا متفقون على مبدأ الخلاف ونشأته أو مختلفون عليه المهم أنه موجود ولا يمكن أنكاره والاختلاف لا يعني الصح والخطأ ولكنه قد يعني رأيي ورأيك، والاختلاف كما هو في المذاهب الفقهية الأربعة رحمة بالمسلمين وليس صراعًا بينهم لأنهم اتفقوا على الأصول والأساس والمنهج.

ومع حقبة التطور في التواصل الاجتماعي التي وصلنا اليوم إليها تطورت بسلبية معها أيضًا نظرية الاختلاف وثقافته فأصبح بعضنا لا يسمع إلا صوته أو من يكون على هواه، وغابت ثقافة الاستماع إلى الطرف الآخر، وإذا لم يرقَ لنا حديث الطرف الآخر سارعنا لإسكاته ليس بأعلى صوت فقط بل بالعمل على قدحه بالأقلام ومنابر التواصل المختلفة وأبسط ما يتخذ أيضًا الإقصاء والتجريح والتصنيفات حتى قد يصل إلى التكفير والتجريم، وجعلنا ارتفاع الأصوات تباعد بين قلوبنا وعقولنا، وغاب عنا بأن القلم وسيلتنا للوصول للآخرين لا للقطع والنيل منهم.

سوف تظل تختلف الآراء كاختلاف نغمات الأصوات، تختلف لأن أفكار كل منا وليدة نشأته وبيئته وحصيلة علمه وفكره وترجمة للزاوية التي يراها من الصورة وارتداداً لما وصل إليه من علم وأخبار وما جمع من أنباء ومعلومات، اختلاف أحد معنا في الرأي لا يستدعي هجوماً على شخصه ولا يتطلب إخماداً لصوته ولا برهنة لخطأ رأيه، بل يستوجب التفهم، ويستدعي رؤية ما يراه ومناقشته من حيث انطلق وتقييم علمه بجوانب القضية ومنحه ما غاب عنه من الحقائق وما نقصه من العلم، والأخذ بيده كما قال الأمام علي كرم الله وجهه (خاطبوا الناس على قدر عقولهم)، فليس مهماً أن تتفق معي ولكن المهم هو كيف تختلف معي وتنتهج المنهج الصحيح في إدارة وأدب الاختلاف بحيث لا تنال مني ولا أنال منك فإن فعلت ذلك فأنت تنأى بنفسك عن منظومة الحوار البناء إلى الحوار الهدام الذي يؤَجِجُ نار الاختلاف ويزيد الفجوة، فليس مبلغ العلم لي ولك وحدنا وكما يقول سبحانه وتعالى: (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store