إنَّ ميزةَ الثورة العلميَّة والتكنولوجيَّة الهائلة، التي نعيشها الآن، جعلت ما كان مستحيلاً بالأمس، شيئًا ممكنًا، وقابلاً للتطويع والبناء، بفضل ما نسمِّيه زمن العقل، أو «منطق العلم». كلّ الخوارق التي كانت في القصص والأساطير أصبحت قابلةً للحدوث والتطبيق، بفضل المنطق والعقل، الذي هو جوهرة الإنسان، وبه ميَّزه اللهُ -سبحانه وتعالى- عن باقي الكائنات.
هذا العقل صنع التَّاريخ، ونقل الإنسان من عصر الكهف البدائي، إلى آفاق المدنية والتطوُّر التقنيِّ، والرفاهية على كلِّ المستويات، بالإضافة إلى أنَّه قد صاغ الواقع الجديد الذي ساهم في تنمية القدرات الخفيَّة الكامنة واستنهاضها في كلِّ ميادين المعرفة للوصول الى أماكن لم نصلها سابقًا، وإلى إثباتات كانت ضربًا من الخيال في أزمنة سابقة.
منذ الثورة الصناعيَّة الكبرى في القرن الثالث عشر -وحتى ما قبل ذلك- اكتشفوا أنَّ العقل وحده هو الصائغ لروح الإنسان، من أجل علوها، ومن أجل أن تستخدم المنطق، بعد أن كان الموت هو نصيب الشخص الذي يتحدَّث عن كروية الأرض مثلاً. إنَّ استخدام العقل والمنطق التحليليّ يرشدنا إلى الوصول لله -سبحانه وتعالى- وقد ذكر الله ذلك في القرآن الكريم (أَفَلاَ يَعْقِلُونَ)، (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ). بالعقلِ وحده يمكننا بناء أنظمة اجتماعيَّة، أخلاقيَّة، سياسيَّة، اقتصاديَّة، وأيضًا دينيَّة، روحيَّة ونفسيَّة تصنف الإنسان كقيمة عُليا، يحب أن يمتلك الحياة الكريمة.
نحتاجُ إلى دعوةٍ مكثَّفةٍ لتطبيق سلطة العقل، ومنطق العلم في كلِّ مجتمعاتنا التي تعصف بها الأزماتُ؛ حفاظًا عليها من التشرذم، والتفكُّك، والفناء؛ وحفاظًا على الدِّين الإسلاميِّ الحنيف الذي لا ينمو ويزدهر إلاَّ في بيئة عقليَّة صحيَّة.