«جنَّة العَبيط»، كِتَابٌ مُهمٌّ لأيِّ كَاتِبٍ، يَطمَح إلَى تَطوير أَدوَاته، ومَعرفة الطُّقوس والممرَّات والدُّروب؛ التي يَجب أَن يَعيها الكَاتِبُ، حَتَّى يَكتب بوَعيٍ مُختلف، وطَرحٍ مُتفرِّد..!
نَعم، إنَّه كِتَاب «جنَّة العَبيط»، الذي اقتَرَح شَيخنا «عباس محمود العقاد» بأنْ يُسمَّى «جهنَّم الحَصيف»، ولَا يَعنينَا هُنَا جَدَل التَّسمية، وإنَّما يَهمُّنا المَضمون، الذي اشتَمَلَ عَلَى أَفكَارٍ، هي بمثَابة مَعَالِم فِي طَريق الكِتَابَة..!
يَرَى الأَديب «زكي نجيب محمود»، أنَّه يَجَب عَلى الكَاتِب أَنْ يَكون نَاقِمًا بَعض الشَّيء، وسَاخِطًا -بوَعي- عَلى مُشكلةٍ أَو قَضيَّةٍ يُعَاني مِنهَا المُجتَمَع، لأنَّ النَّقمَة والسَّخَط إذَا تَحقَّقا؛ جَلبَا الحَمَاسَة والقوَّة فِي الطَّرح، مُؤكِّدًا أَنَّ الكِتَابة «فِعل مُعَارضة»، ولَكنَّها مُعَارضة اجتمَاعيَّة، ولَيسَت سِيَاسيَّة.
ثُمَّ يُؤكِّد الأُستَاذ «زكي»، أَنَّ الكَاتِبَ الحَقيقيَّ يُشبهُ (الفَأر الذي هَدم سَدَّ مَأرب، فهو يَبحَث عَن الفَجوَات في الهَيكل الاجتمَاعيِّ، الذي غَالبًا مَا يَكون ظَاهريًّا مُعتدًّا بنَفسه، نَافيًا عَنهَا أيَّة نَقيصَة أَو عَيبٍ)، ومِن هُنَا يَأتي دور الكَاتِب، الذي يُعرِّي المُجتمع، ويَكسر عَينه، ويَفضح عَورته، ويَكشف مَنَاطِق الخَلَل والزَّلَل فِيهِ..!
وفِي الخِتَام، يُشدِّد الأُستَاذ «زكي» عَلَى أَنَّه: (يَجب عَلى الكَاتِب أَنْ يَأخذَ المُجتَمع بالرِّفق واللِّين، وأَنْ يَكون سَخطه أَو نَقمته «خَفيفَةً»، كَمَا يَجَب أَنْ يَكون الكَاتِب مُحدِّثًا لقَارِئهِ، لَا مُعلِّمًا، بحَيثُ يَجد القَارئ نَفسه إلَى جَانب صَديقٍ يُسَامره، لَا أَمَام مُعلِّم يُعنِّفه، أَو زَميلٍ مُخلِصٍ يُحدّثه بتَجاربهِ، ووَجهة نَظره، لَا أَنْ يَقف مِنه مَوقف الوَاعِظ فَوق مَنبره، يَميل صَلفًا وتِيهًا بوَرعه وتَقوَاه)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّني أُوصي الكُتَّاب -ونَفسي- بتَقوَى الله -جَلَّ وعَزَّ- فِي السِّرِّ والعَلَن، ثُمَّ أُوصيهم -ونَفسي أَيضًا- بمُرَاجعة وقِرَاءة الكُتب العِملَاقَة المُفيدة، مِن أَمثَال كِتَاب «جنَّة العَبيط»، للأَديب «زكي نجيب محمود»، وكِتَاب «حَيَاة قَلم»، لشَيخِنَا الأَديب «عبَّاس محمود العقَّاد»..!!