مواصلةً لمقالِ الأمس، وددتُ تناول أهمِّ أوجهِ الانتقاد التي وجَّهها معالي وزيرُ التَّعليم، إلى الجامعات السعوديَّة الحكوميَّة، إضافةً إلى تضخُّم أعداد طلبتها، وعدم ملاءمة كثيرٍ من مخرَّجاتها لسوق العمل.
الانتقاد الأوَّل: اعتماد الجامعات على مصدر وحيد للتمويل، وهو الميزانيَّة السنويَّة الحكوميَّة، مقارنةً بجامعات العالم الأوَّل تحديدًا، والتي قد لا يزيد اعتمادها على الميزانيَّة الرسميَّة الحكوميَّة إلاَّ بمقدار 20%أو 30 %. وبعض الجامعات الخاصَّة العريقة لا تستلم دولارًا واحدًا من الدولة، مثل: هارفارد، وبرنستون، وستانفورد، وغيرها. هنا لابدَّ من وقفة (منصفة)؛ لأنَّ أنظمة الجامعات تفتقرُ إلى المرونة اللازمة، التي تسمح للجامعات بتأمين مصادر مستقلة للدخل. وإلى عهد قريب كانت الأموال الواردة تعودُ مرَّة أخرى إلى خزينة الدولة؛ ممَّا يفقد الجامعات التحمس لهذا النوع من النشاط.
الانتقاد الثاني: ضعف قدرة الجامعات على تحويل جهود البحث العلمي والابتكار إلى منتجات اقتصاديَّة تدعم الاقتصاد الوطني. وهنا لابدَّ من الإشارة إلى أهميَّة مشاركة الطرف المهم الآخر، وهو القطاع الخاص الذي بدوره لا يحب المغامرة، ويكره -حدَّ الموتِ- مبدأ المخاطرة. أحد الحلول هو وضع آليَّة واضحة متقنة تسمح بمشاركة القطاع العام الحكومي مع القطاع الخاص؛ لدعم هذه المنتجات، عبر تقليص المخاطر المحتملة، وتحفيز القطاع الخاص لاحقًا في حالة تحقق قصص نجاح مجزية. المعضلة هنا غياب الثقة بين القطاعات الحكوميَّة والجامعات السعوديَّة.
وأخيرًا أشار الوزيرُ إلى تحوُّل معظم الجامعات إلى مؤسَّسات بيروقراطيَّة متضخمة إداريًّا وتنظيميًّا؛ ممَّا أفقدها المرونة الإداريَّة، وأضعف التركيز على المشروعات والبرامج النوعيَّة. والبيروقراطيَّة جزء من ثقافة العالم الثالث، وهي حتمًا تزداد توغلاً كلَّما كبرت الميزانيَّات، وتضخَّمت أعدادُ الطلاب والطالبات، وكثرت الفروع، وانتشرت الكليَّات والمراكز والعمادات.
من وجهة نظري أنَّ هذا كله يهون، لو كان المنتجُ الجامعيُّ النهائيُّ على مستوى جيدٍ، (ولن أبالغَ فأقول على مستوى رفيعٍ)؛ لأنَّ كلَّ هذا الإنفاق الهائل، وهذه الجهود الكبيرة البيروقراطيَّة، وغير البيروقراطيَّة لم تفرز لنا ما نصبو إليه في عوالم العمل والأعمال، والإنتاج، والاقتصاد، وتوطين الوظائف.
إنَّها مشكلات تتراكم على مشكلات، فأين المخرج؟ وما هي النهايات؟!