تسعى روسيا بكل ثقلها إلى ضمان انعقاد ونجاح مؤتمر الأستانا في العاصمة الكازاخستانية اليوم الأربعاء وغداً الخميس وضمان مشاركة أطراف الصراع السوري والدول الراعية. والمؤتمر إن كان قد انعقد اليوم -لأن كتابة المقال كانت مساء البارحة- إنما هو استمرار لمؤتمرات سابقة في نفس المكان وبنفس الأطراف، روسيا، تركيا، إيران، نظام بشار، المعارضة السورية، الأمم المتحدة، ومع ذلك لم يخرج بشيء أبداً ،حتى وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه قبل أشهر لم يلتزم به أحد مما يعني بكل بساطة فشلاً للمؤتمر ورعاته.
والسؤال إذا كانت هذه هي نتائج المؤتمر (الفشل) ،فلماذا تصرُّ روسيا على استمرارية انعقاده ودعوة أطراف عديدة بما فيها المعارضة السورية؟ ،والإجابة على مثل هذا التساؤل لا تحتاج إلى عناء كبير أو خبراء متعمقين في معرفة النوايا الروسية بل هي واضحة ومؤشراتها كثيرة، فروسيا سعياً منها إلى إلغاء مقررات جنيف والتي كانت تنص على عدم وجود دور لبشار الأسد في مستقبل سوريا ، كما أنها تهدف إلى إطالة أمد بقاء نظام بشار في حكم سوريا إلى أن تتحقق كل المصالح الروسية التي تسعى إلى ترسيخها في المنطقة، فكما هو معروف أن نظام بشار منح روسيا مزايا لم تكن تحلم بها من قبل، بل إنه في رؤية بعض المحللين السياسيين باع سوريا للروس حين منحهم حق إقامة قواعد عسكرية، بحرية، وبرية، والتحرُّك بكامل الحرية فوق الأراضي وفي الأجواء السورية.
وبالفعل حققت روسيا هدفها من جعل الأستانا بديلاً لمؤتمر جنيف في ظل غياب مؤثر للإدارة الأمريكية السابقة نتيجة لمواقف الرئيس باراك أوباما الرخوة معها ومع إيران ونظام بشار، كما أنها تحولت بفضل ذلك إلى لاعب رئيس أوحد لمعالجة المشكلة السورية وهو ما دفعها إلى إبعاد الأمريكيين والأوروبيين عن التأثير على مسار المفاوضات وتقريبها لإيران لتكون إحدى الدول الثلاث الراعية للأستانا بحجة نفوذها في سوريا سواء على النظام أو على مليشيات حزب الله أو الفرق الشيعية التي ترسلها إلى الأراضي السورية تحت إشراف وقيادة قاسم سليماني. أما دعوة روسيا لتركيا لتكون الطرف الثالث في رعاية الأستانا فهي ليست سوى ذر للرماد في العيون ليقال إنها لم تستبعد دولة مؤثرة ومجاورة للمشكلة السورية.
في الإعداد لمؤتمر اليوم حرصت روسيا على ضمان انعقاده فأرسلت رسائل إيجابية عدة خوفاً من عدم موافقة أطرافه على الحضور خاصة المعارضة وتحديداً الهيئة العليا للمفاوضات ،فكان تصريح وزير خارجيتها سيرجي لافروف يوم السبت الماضي في مؤتمر الأمن السادس بموسكو: «بأن موسكو مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن حل الأزمة السورية» ،لأن روسيا تدرك الآن وبعد تبدُّل المواقف بأن العودة القوية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة نتيجة لسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب قلبت كل المعادلات السابقة وأحدثت ربكة كبيرة للسياسة الروسية ونهجها في إدارة كل مفاصل المشكلة السورية.هكذا متغيرات هي ما تقلق روسيا وساستها حالياً ولهذا فهم يسعون إلى عدم إتاحة الفرصة لإحداث انقلاب في غير صالحهم ،فتداعوا بشغف ومتابعة محمومة إلى الدعوة إلى عقد المؤتمر في الأستانا عسى ولعل أن يُبقوا بعضاً من أهدافهم قبل أن تمحوها العودة الأمريكية المؤثرة للمنطقة.