في كل جمعة، يقرأ المسلم الذي يحضر صلاة الجمعة في المسجد سورة الكهف. ولسرٍّ عظيم قد نعلمه، وقد نجهله نكرِّر هذه السورة حتَّى لكأنَّها ميزانٌ دقيقٌ، ونهجٌ سويٌّ مستقيمٌ تُضبط به حياة المؤمن كلَّما تاه عن الطريق، فتعيده إلى جادَّة المعاني الجليلة، والقيم العُليا، والمبادئ الكبيرة التي تتضمَّنها عبر القصص الرباني المعجز، الذي يطوي الزمان والمكان؛ ليصوِّرَ لنا مشاهد تكاد تنتصب أمام أعيننا من روعة التَّصوير، وإعجاز النص وحرارة الكلمة.
وفي كل أسبوع أتأمَّل النصَّ المعجز المصاغ في سورة سؤال: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً)؛ ليأتي الجواب القصير المعجز: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
وصفٌ معجزٌ لتخبُّط مزمن! واضح أنَّه سعي فيه جهد ومثابرة ومواصلة، لكنَّه في الاتجاه الخاطئ أيًّا كان هذا الاتِّجاه. ربما كان (داعشيًّا) بامتياز، يعكس حال الخوارج قبل 14 قرنًا، ويواصل (سعيهم) الضَّال، أو ربما كان عصرانيًّا، يحمل يافطاتٍ متعددةً هي إلى الضلالة أقرب، وبالخسارة أجدر.
ولئن كان ضلال الدواعش والروافض وأشباههم أوضح وأجلى، فإنَّ قدرة (الأخسرين) أعمالاً على التمويه والحربنة (من الحرباء)، والتلاعب بالألفاظ تضعهم في منطقة قد يحسبها البعض رماديَّةً، في حين هم في الضلالة غارقون طبقًا لوصف العزيز الحكيم.
خذوا مثلاً أولئك الذين حملوا لواء الشيوعيَّة أمدًا طويلاً حتَّى انتكست وذهبت ريحها، فإذا هم قد انقلبوا بفضلٍ من الشيطان وربعه، إلى ألوية أخرى طبقًا لما يظنّونه (صنيعًا حسنًا). وآخرون كانوا اشتراكيين حتَّى الثمالة، فانقلبوا رأسماليين حتَّى النخاع، فلم تعد تهمهم (البوليتاريا) المسحوقة، وإنَّما أرصدتهم المنفوخة.
أمَّا أشدُّ هؤلاء نكالاً وخيابة وخسرانًا، فتراهم منتشرين في أروقة الإعلام، وعلى صفحات الجرائد، يتنادُون للرغي في كل مناسبة ثقافيَّة؛ بصفتهم روَّاد الثقافة، وحاملي رايات الحرية، ومبشِّرين بانفتاح عظيم ونصر على (الرجعيَّة) قريب.
وكثير منهم يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً! وهو قليلٌ مهما كثرت الأعطيات والشرهات! هم مساكين حقًّا، لا لكون سعيهم سيذهب سدى فحسب، وإنَّما لأنَّهم قد وُسموا بالضلال، وانتهوا إلى وبال، وكانوا وسيظلون هم وحدهم (الأخسرين أعمالاً)!!