إذَا تَحدَّثتَ مَع أَي إنسَان فِي العَالَم الإسلَامي عَن العَقْل، سيَقولُ لَكَ مُبَاشرةً: إنَّ الإسلَام حَثّ عَلى التَّفكُّر.. والسُّؤال هُنَا: هَل التَّفكُّر هو التَّفكير؟، أَم أَنَّهما أَمرَان مُختلِفَان..؟!
مِن الوَاضِح أَنَّ التَّفكُّر لَا عَلَاقة لَه بالتَّفكير، لأنَّ التَّفكُّر -بمَعنَاه البَسيط- تَأمُّل الأشيَاء والتَّفكير بِهَا دُون مُمَارستهَا، أَمَّا التَّفكير فهو تَأمُّل الأشيَاء، ومِن ثَمَّ عَرضها عَلى العَقْل، وإعمَال الذِّهن حَولها، حَتَّى نَصل إلَى نَتيجَة مَفادهَا: إمَّا قبُول نَتيجة هَذا التَّفكير أَو رَفضهَا..!
لقَد أَبدَع أُستَاذنا الدّكتور «أحمد البغدادي» فِي كِتَابه: «أَحَاديث الدِّين والدُّنيَا - الوَاقِع المفَارق للنَّص الدِّيني»، حِين قَال: (يُمثِّل التَّفكُّر مَرحلة مُتقدِّمة عَلى التَّفكير، حَيثُ تَخلو عَمليَّة التَّفكُّر مِن المُمَارسَة، إنَّها عَمليَّة تَجريديَّة مُنفصِلَة عَن الوَاقِع، فِي حِين أَنَّ عَملية التَّفكير لَا تَتم إلَّا فِي الوَاقِع، التَّفكُّر فِي خَلقِ الله، لَا يُؤدِّي إلَّا إلَى الاعترَاف بعَظمة الخَالِق، ولَا شَيء غَير ذَلك، وعَلى الرَّغم مِن أَهميَّة العَمليَّة للنَّفْس الإنسَانيَّة؛ عَلَى المُستوَى الرّوحي، إلَّا أَنَّها غَير ذَات فَائِدَة فِي مَجال الحُريَّات الفِكريَّة، «الرَّأي والتَّعبير»، حَيثُ إنَّ تَجربة التَّفكُّر فِي الخَلْق، «فَرديَّة أَو أُحاديَّة التَّوجُّه»، لَا عَلَاقة لَها بالآَخرين، وغَير ذَات انغمَاس بمَشَكِلات الحيَاة، حُريَّة التَّفكُّر، حُريَّة تَسعَى لمُسَاندة الإيمَان، حُريَّة غَير مُشاغِبَة، حُريَّة لَا تُفيد الوَاقِع المُعَاش فِي شَيء؛ عَلى مُستوَى المُمَارسَة الفِكريَّة الإنسَانيَّة، حُريَّة ذَات نَهايَة مُحدَّدة، بَل إنَّها تَكاد تَنتَفي مَع وجُود الإيمَان، حَيثُ التَّسليم لخَالِق الكَون؛ مِن دُون حَاجَة إلَى العَقْل، والحُريَّات الفِكريَّة خِلَاف هَذا كُلّه)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: يَا قَوم، لِمَاذا لَا نَجمع بَين الفَضيلتيْن؛ كَمَا يَجمَع الرَّجُل بَين الزَّوجتين؟.. ونَقول: دَعونا نَتفكَّر ثُمَّ نُفكِّر، وإذَا أَحسنَّا النيَّة؛ سنَصَلُ إلَى الصَّوَاب..!!