إحدى المجلات في بداية القرن التاسع عشر كان عنوانها «حارس التعليم»، وهدفها الأساسي هو «المساهمة في حماية عقول الأطفال الأبرياء من الأدب الساذج وغير الناضج المقدم لهم».
كتبت المجلة عن قصة سندريلا أنها رغم مقبوليتها الواسعة تعتبر من أسوأ القصص التي تُقدِّم «مشاعر خاطئة» فيما يخص النمو الشعوري عند الطفل، والتي يجب ألا يعرفها الطفل أو يتعرض لها، مثل الحقد، والغيرة، وكره زوجة الأب، وحيازة الفساتين وغيرها.
خذ أيضًا السيدة هيوينز أمينة المكتبة العامة في لندن في نهايات القرن التاسع كتبت مقررًا للآباء يُعطيهم تعليمات عن الطريقة الأفضل لاستخدام كتب الطفل، قالت: «لا تجعلوهم إطلاقًا يقرأون شيئًا لم تقرأوه أنتم قبلا، اقرأوا لهم لتوضيح الأوهام والخيالات الموجودة داخل القصة وفصلها عن الواقع، وأكثروا من قراءة أشعار شكسبير لهم، والأهم هو أن تتذكروا دائمًا أن تُقدِّموا للأطفال أدبًا يمنحهم نموذجًا لما يجب أن يكونوا عليه حين يكبروا، وليس نموذجًا لما يجب أن يتجنبوه».
قد أشعر بتعاطف مع هذه الأفكار التربوية القديمة لكونها كانت تُشجِّع على النقد والتحليل، لكني كتربوية من القرن الحادي والعشرين ومهتمة بأدب الطفل، لديَّ هموم تواكب عصري لا أحمل نفس القلق بأن الانتشار الهائل لأدب الطفل يجعله متاحًا به الغث والثمين، ولذا فإن الطفل لا يجب أن يملك خيار اختيار القصص التي يقتنيها.
الصيغة الحديثة للسؤال الذي يعنى بأدب الطفل قد تكون: ما الذي يعنيه أن يتم اختيار الكتاب الجيد بناء على معرفة جيدة بالطفل؟ أو مثلاً، ما الأدب الذي يجذب الطفل؟.
سنجد أن المنهمكين في تعريف الأدب الجيد للطفل هم الكبار فقط، بينما ينهمك الصغار بالحكم الفوري والعفوي على نص ما، لذا دعنا نصوغ السؤال بطريقة تناسبنا نحن الكبار حتى تستطيع أدواتنا البحثية التعامل معه: ما العناصر التي تحدد أدب الطفل الجيد؟
لنخوض في هذه الأسئلة، علينا أن نضع في الاعتبار تاريخية العرف السائد عن مفهوم الطفولة، بالإضافة للذوق العام والعادات والتحيُّزات الفكرية السائدة، لذا لنسأل مرة أخرى: من هو الطفل تحديدًا؟ وكيف تغيَّر مفهوم الطفولة عبر الوقت، ماذا عن التغيُّرات التي لم نتملك أدوات فهمها بشكلٍ كاملٍ بعد، مثل تأثير الميديا والإنترنت على نموذج الطفولة الحديث؟
جهد تصنيف الأدب الجيد للطفل بالنسبة للتربويين في الغرب، هو جهد قديم بدأ منذ قرابة ثلاثمئة عام حين كانت قصص الأطفال مشبعة بالدوجما والمدرسانية والنوايا الحسنة التي تغرق الطفل بالمواعظ عن كيف يكون طيبًا وخلوقًا ومسالمًا وطائعًا وخاضعًا للكبار، هل يا ترى يبدو هذا النموذج القديم غريبًا عن أدب الطفل العربي اليوم، أم أن أثر هذه الروح مازال يسري في جسد الأدب حتى يومنا هذا؟، أليس أدب الطفل العربي اليوم، مازال حبيسًا في تقديم الصورة المشرقة للحياة حيث الأطفال يعيشون حياة صحية، محمية، مسقوفة، وخالية من المعاناة؟.
ماذا عن ذلك الأدب سيء السمعة والذي يتحدث عن الشر والموت والمعاناة والتشرد والنزوح والفقر وحقيقة الحياة التي لا تناسب «الطفل العربي السعيد»؟ ماذا عن الحس الطبقي والعنصري الذي نجده في الأدب السائد والذي يفصل الحياة الحقيقية الكادحة عن حياة الطبقة المرفهة والمحظوظة التي تتمتع برفاهية الأسلوب التربوي النموذجي في معالجة النمو النفسي للطفل.
لكن ما الذي يوسع عالم الطفل حقًا ويثريه؟ وألا يساهم تقديم أدب للطفل بصورة مطابقة لحياته وظرفه الاجتماعي في تأخُّر المحتوى الثقافي له، وعودة لزمن التزمُّت والصرامة التربوية؟.
بهذه الحزمة من التساؤلات قد نعود لقصة سندريلا ونقرأها ربما بنقدٍ أقل صرامة وأكثر اتساعًا لاستيعاب تنوع المشاعر الإنسانية وأنماط الحياة التي سيكون مفيدًا بلاشك أن يتعرف عليها الطفل، حتى «الطفل العربي السعيد»، قد تتفتح مسام الإنسانية لديه كلما تعرَّض لأدب واسع ومتنوع كتنوع حياة البشر.