مما يروى من أقوال السياسيين البريطانيين، وهم من الدهاة عمومًا، نصٌ للبرلماني اللورد ماكولي موجه للبرلمان البريطاني في فبراير 1835م، أي قبل 182 عامًا عن أخلاقيات الناس في الهند، إذ يقول: (لقد سافرت في طول الهند وعرضها، ولم أر شخصًا واحدًا يتسول أو يسرق في هذه البلاد، وبهذه الأخلاق الرفيعة، وأناس بهذا المستوى، فإني أشك في قدرتنا على التغلب عليهم، إلاّ إذا استطعنا كسر العمود الفقري لهذه الدولة، المتمثلة في إرثها الروحي والثقافي.
ولذا أقترح استبدال نظامها التعليمي القديم وثقافتها.. ومتى ما اعتقد الهنود أن كل ما يأتي به الإنجليز والأجانب حسن وأفضل مما لديهم، عندها سيفقدون ثقتهم بأنفسهم كما سيتخلون عن ثقافتهم الأصلية، وسيصبحون كما نريد، دولة مستعبدة بحق).
هكذا صنع الإنجليز الذين لم يخذلوا اللورد ماكولي، ففعلوا وخططوا ونفذوا، وكان لهم النصر الذي أرادوا، ونهب الخيرات التي تجود بها أرض الهند، فاستعمروها عقودًا طويلة.. وكذلك فعل محمد علي باشا في مصر حين قللّ من شأن اللغة العربية والتعليم الديني عبر التقليل من شأن معلمي اللغة والدين، وتخفيض ساعات تدريسهما.
ومع كل الوعي، الذي سرى في الأمة العربية بمخاطر الاستعمار وحيله ومكائده، إلاّ أنه ما زال بيننا من هو أشد ولاء للمستعمر من اللورد ماكولي لبريطانيا.. وقبل أسابيع قليلة استمعت لعينة من هؤلاء المنحرفين (بكل معنى الكلمة) في برنامج الاتجاه المعاكس ينتقد أردوغان بشدة ومستشهدًا بأحد الكتاب الإسرائيليين، الذي حذّر من أسلمة المجتمع التركي إذ سمح بإقامة شعائر الصلاة في المباني الرسمية، وفصل بين الجنسين في المساكن العامة وضيَّق على الكحول.. وزاد الطين بلة بزعمه أن القرآن الكريم يدعو إلى (حقوق إجرامية) مثل قطع يد السارق وقتل القاتل، فأي حرية يدعو إليها الإسلام!! تعالى الله عما يقولون علوًا عظيمًا.
وللأسف فقد زعم هذا الناعق الخليجي بأنه ليبرالي، يريد ليبرالية لا تخضع لقناعات وأصوات الأغلبية، وإنما لفكره المنحرف الشاذ وأفكار أمثاله ممن لا قيمة لهم إلاّ عبر أبواق الإعلام، الذي يمنحهم الفرصة تلو الأخرى.
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم، وهذا المتخلف وأمثاله السبب.