Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

نزيف القلم

No Image

A A
ليست دماءُ العربِ -وحدها- تسيلُ في بلدانهم سُدى، بالغدو والآصال، بل حتَّى أقلامهم نزفتْ من آفاق العربيَّة إلى قيعان الأعجميَّة، وهي تخُطُّهُ بميمنةٍ وميسرةٍ، بمحبرةٍ جفَّت بها الصُحفُ، وهوت بذوي ألباب، تفتقت آفاقُها، وتفجَّرت طاقاتُها بالفكر الواسع، والمعنى السَّاحر، والقلم الرصين بحبكة أدبيَّة رائعة. كم من بلدٍ نزف عبره القلم بحمل بعير، دون أن يؤتي أُكله، ولو حرفًا من تلك المأساة للحروف العربيَّة التي جمعها مَن لا يُحسن الجمع ولا القطف، فجعل الجمع للورد، والجز للثمر، والقطف للجذر، ومن هنا كان النزيفُ بعد أن برَّأ بآخر عمدان العرب الذين يسقطهم الموت الواحد تلو الآخر، ولم تسقط حروفهم وكلماتهم ومقالاتهم وإبداعاتهم الأدبية، ليتعب من بعدهم، ويخوضوا في غيابه الحروف، وتشتت الكلمات، وتضارب الأفكار، وإطباق العقول، فتناثرت في صحفنا أحبار من الأقلام التي ماجت في البحر، وأخرجت لنا حجرًا لنرميه في بحره مرَّة أُخرى، وتتقيأه عقولنا، ليعودوا بحجرٍ آخرَ على أنَّنا قبلنا ما جاءوا به سابقًا، وما براءة أدب الحرف العربي من أدب حروفهم إلاَّ كبراءة الذئب من دم يوسف، فكان مدعاة لنزيف القلم وخسارة الورق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store