التزوير والكذب جزء من الطبيعة البشريَّة المنتكسة، والتي تمَّ تشويهها بطرقٍ ووسائلَ عدَّة، أملاً في الحصول على حوافز مغرية، وجوائز مجزية. من الحوافز «الوعد بمنصب أو جاه»، ومن الجوائز «الثروة والمال».
وعالم اليوم، وفي ظل وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ المذهلة (والقادم أشد وأنكى)، ولسهولة التزوير قياسًا بغيره، فإنَّ الضحايا كُثر، وأنواع التزوير أكثر. منها الاجتماعيّ الذي يفسد الود بين الأحباب، أو حتَّى الأزواج، ومنها الاقتصاديّ الذي يُروِّج لكذبٍ مستتر خلف اسم مشتهر، وغير ذلك كثير، بل إنَّ منها مصائد شهوانيَّة للصغار إناثًا وذكورًا، بل لا يسلم منها حتَّى الكبار الذين يضطرون للدفع لاحقًا لتجنُّب آثار فضيحةٍ هنا أو هناك.
ولأن العالم مفتوح، والأنظمة متباينة، والحدود شبه عابرة، فإنَّ مقاضاة هذا المنتحل شخصيَّة غيره، أو المزوِّر كلام غيره، يدخل غالبًا في باب المستحيل، إلاَّ إذا توفر مال كثير يُشبع نهم محامين كِبَار حتَّى يوقعوا بالمنتحل، أو المزوِّر، أو المفبرك.
هذه الرزايا لا حلَّ لها إلاَّ بمناهج تربويَّة عصريَّة تُرسِّخ فضائل الصدق واحترام حقوق الآخرين، وتجنُّب الكذب والاحتيال مهما كانت المغريات والحوافز.
القضية الأهم هي حجم الضرر الذي يلحق بالضحيَّة، إذ يدفع البعض أثمانًا اجتماعيَّة ونفسيَّة باهظة قد تلازمه مدى الحياة، وبعضهم يدفع أثمانًا ماديَّة مؤلمة، وآخرون ينالهم من التراجع الوظيفي ما هو كفيل بإحالتهم إلى التقاعد المبكر.
وأمَّا العقوبات والزواجر، وإن كانت مؤثِّرة أحيانًا، إلاَّ أنَّها لا تُظهر أثرًا في القضايا المرتَّبة، والتي غالبًا ما يتعدَّى أثرها الضحيَّة إلى شريحة أوسع من الأهل أو المجتمع، أو الكيان.
وحتَّى اليوم لا تبدي الدول عمومًا اهتمامًا كبيرًا بهذه القضايا؛ باعتبارها من سقط الكلام، ولزوم المعاصرة، مع كلِّ ما تسببه من آلام وعواقب ومشكلات، ليس أولها انتهاك الخصوصيَّات، وليس آخرها تحطيم النفسيَّات وترويع الآمنين.
إنَّها الحياة المعاصرة، بكلِّ شرورها وحسناتها، وقبحها وجمالها، ويومها وغدها.