في الوقت الذي يجد البعض في وسائل التواصل الاجتماعية فرصة كبرى للتواصل مع العديد من الأصدقاء سواء داخل أو خارج البلاد، فإن البعض يجدها وسائل تواصل باردة تخلو من المشاعر الحقيقية وتقتل الأحاسيس بمعاني الود والوفاء، وتقضي على تلك اللقاءات والزيارات الاجتماعية، والتي تُعبِّر بشكلٍ حقيقي عمَّا تكنّه القلوب من مشاعرٍ وأحاسيس صادقة.
يعتقد البعض اليوم أنه بمجرد إرسال رسالة -سواء كانت مكتوبة أو صوتية أو مقطع فيديو أو غيرها من الرسائل المختلفة- والتي تتضمن تهنئة بالعيد لوالديه أو إخوانه أو أخواته أو أقاربه من الأعمام أو العمَّات فإنه قد قام بالواجب وقدَّم التهنئة، وإن أحد سأله هل قمت بمعايدة أقاربك؟ يجيب نعم، وذلك من خلال رسالة تم إرسالها لهم.
استخدام هذه الوسائل التقنية وتلك التطبيقات وحسابات التواصل الاجتماعية بهذه الطريقة السلبية لا يساهم في تقوية التواصل بين أفراد المجتمع، بل يساهم في عزلهم وسلب المشاعر والأحاسيس الصادقة فيما بينهم، واستبدالها بالفتور والعلاقات الباردة وانعدام البهجة والفرحة باللقاء والاكتفاء بحروفٍ جوفاء مكتوبة في رسالة نصية تأتي من خلال الهاتف، وقد تُقرأ وقد لا تُقرأ، وذلك في زحمة الرسائل التي تُرسَل والتي قد تصل لدى البعض بمئات الرسائل.
إن استخدام هذه الوسائل بهذه الطريقة السلبية أصبح خطراً يُهدِّد علاقات المجتمع بعضها ببعض بشكلٍ عام، والأسر والأقارب بشكلٍ خاص، فصلة الرحم لا تكون من خلال رسالة نصية، بل من خلال زيارة عائلية تشمل اللقاءات المباشرة لتفقُّد الأحوال والاطمئنان على كافة الجوانب الأسرية وتوثيق العلاقات وأداء واجب الأرحام على أكمل وجه، وترسيخ معاني الألفة والمحبة بين المعارف والأقارب.
وبالرغم من أن المعايدة الإلكترونية تساهم في الوصول إلى شريحة أكبر من الأصدقاء والمعارف في وقتٍ قصير وبتكلفة أقل ودون الالتزام بوقتٍ محدد، وهي وسيلة محببة للتواصل في ظل انشغال البعض بأوقات العمل في العيد، وارتباطهم بالعديد من المسؤوليات، إلا أن هذه المعايدة الإلكترونية قد لا تكون مناسبة لأفراد الأسرة الواحدة والأقارب الذين نشأوا من صغرهم على اللقاءات الأسرية والتجمعات العائلية، والتي عوّدهم عليها آباؤهم وأجدادهم.
جيل اليوم عليه مسؤولية كبرى في الأعياد وفي كل المناسبات العامة، وذلك من خلال المحافظة على ما غرسه الأجداد من أُلفةٍ ومحبة وتجمُّع وترابط بين العوائل والأقارب من خلال اللقاءات الأسرية والتجمعات العائلية لتبادل التهاني بالعيد وزرع التواصل الاجتماعي الحقيقي في نفوس الجيل القادم، بدلاً من عزلهم عن بعضهم البعض من خلال وسائل التواصل الحالية، والاكتفاء بالمعايدة الإلكترونية.