العملية السياسية في اليمن (فيما يتعلق بحل شامل) بحالة جمود، في الوقت الذي تتحرك فيه عناصر متعددة بنشاطات متناقضة، أكان في الشمال أو الجنوب، مما سيؤثر على أي حل مستقبلي للقضية اليمنية المعقدة.. وتبدي النخب الفكرية والسياسيه اليمنية عجزاً عن الاتفاق على صورة الحل، وبالتالي التأثير في الرأي العام داخل البلاد والتمهيد لحل ما لهذه المأساة.. علماً بأن الحل العسكري لن يكون بديلاً عن عمل سياسي واتفاق الجماعات الفاعلة على الأرض لما سيأتي مستقبلاً.
وتتهم بعض النخب الشمالية اليمنية الحزب الاشتراكي، الذي كان يحكم الجنوب حتى قيام الوحدة، بأنه سعى وبنجاح إلى (شيطنة) الكيان الوحدوي. في حين أن الجنوبيين الناقمين على الوحدة تأثروا بالتصرفات اليومية لنظام صنعاء تجاههم، فبالإضافة إلى الفساد فإنهم واجهوا عمليات قهر واستغلال، جعلت كثيرين منهم يترحمون على أيام حكم الحزب الاشتراكي التعيسة. وعوضاً عن أن تسعى النخب الشمالية الراغبة في المحافظة على الوحدة إلى قبول حلول أقل من الوحدة وأقوى رباطًا من الانفصال، إلا أنهم لم يسعوا إلى ذلك. وكمثال فإن جماعات مرتبطة بحزب الإصلاح المحسوب على النظام، تصر على قمع الجنوبيين لصالح (الوحدة). وهناك من لا يوافق حتى على قيام دولة اتحادية مع أنه أحد البنود الهامة في مخرجات الحوار الوطني.
عجزت المفاوضات بين الدولة الشرعية من ناحية والحوثيين مع علي عبدالله صالح من ناحية أخرى التي تبنتها الأمم المتحدة عن الوصول إلى تفاهم، وأستمرت المفاوضات التي عقدت بالكويت حوالى ثلاثة شهور. وكانت مرجعية المفاوضات دائماً تقوم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن الدولي. وأدت المبادرة الخليجية إلى تقاسم السلطة بين حزب المؤتمر الشعبي، الذي كان الحزب الحاكم برئاسة علي عبدالله صالح، وباقي الجماعات التي ثارت عليه. وتولى بنتيجتها عبدربه منصور هادي، الذي كان يشغل منصبي نائب الرئيس ونائب رئيس المؤتمر وأمينه العام، رئاسة البلاد، مقابل اختيار الجماعات الأخرى رئيساً للوزراء والحصول على نصف أعضاء الحكومة والنصف الآخر للمؤتمر الشعبي، وعرفت الحكومة حينها والتي رأسها باسندوة بحكومة الوفاق. إلا أن هذه الحكومة أسقطت في نفس العام الذي تشكلت فيه (عام 2014) وذلك حين أجتاح الحوثيون صنعاء وتولوا السلطة فيها في شهر سبتمبر 2014.
إذا كان يراد الوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، فلابد من مراجعة الخطوات التي تمت (سياسيًا) حتى اليوم ولم تحقق التفاهم المطلوب. إذ إن الوضع على الأرض لم يتغير بشكل كبير لصالح أي طرف. فالحوثيون وصالح طردوا من الجنوب. بينما يعجز حزب الإصلاح، وهو بمعظمه شمالي من استعادة تعز التي كان يعتقد أنها مركز قوته. وتواصل قوات الشرعية تحرير مناطق شمالية قطعة فقطعة في ظل ضغوط دولية متواصلة تجعل تحركها بحرية كاملة صعب المنال. كل هذا يتطلب مراجعة للحركة السياسية الباحثة عن حلول.
وقد انتهت المظاهرات في مدينة عدن الأسبوع الماضي لتؤكد خطورة الجمود السياسي على عملية التسوية اليمنية. وقيل إن المظاهرات كانت مظاهرتين واحدة نظمها أنصار «المجلس الانتقالي الجنوبي» والأخرى نظمها فصائل «الحراك الجنوبي» وكل منهما لا تتعاون مع الأخرى، والقى عيدروس الزبيدي، زعيم «المجلس الانتقالي» خطاباً (خلف حاجز زجاجي مضاد للرصاص) أعلن فيه حظر نشاط جماعات من ضمنها «حزب الإصلاح».. لذا مطلوب سرعة إخراج العملية السياسيه من الجمود الذي أصابها.