لا يترك نظام الملالي فى طهران شاردة ولا واردة كبيرة أو صغيرة إلا ويسلط كافة وسائل إعلامه داخل إيران وخارجها للنيل من الداخل السعودي لمجرد نقص هنا أو اختلاف هناك. وهذه سياسة فارسية تبناها الملالي منذ نجاح ثورتهم بقيادة الخميني بهدف تقزيم أدوار المملكة العربية السعودية إقليمياً ودولياً وإسلامياً لأنها منافسهم الوحيد و الدولة القادرة على إيقاف تمددهم الفارسي المتخفي خلف قناع مذهبي.
من ذلك على سبيل المثال لا الحصر تصوير الإعلام الإيراني لبعض الأخطاء الفردية البسيطة للخدمات المُقدمة للمعتمرين والزوار والحجاج رغم أن العالم متفق ويشاهد بالصوت والصورة الحيّين حجم خدمات هائلة تقدمها المملكة لكافة ضيوف الرحمن بلا استثناء أو مِنّة.أو حين تركز وسائل الإعلام الإيرانية على ما تقوم به فئة فاسدة من استهداف لرجال الأمن كما حدث فى القطيف ،فتهوِّل منه وتُلبسه لبوساً وأردية وهمية.
فى المقابل إيران مليئة بالمثالب والمشاكل الداخلية والخارجية التي لو تم التركيز عليها وإبرازها بحقائقها وتفاصيلها لتعرَّى واقع نظام الملالي ولظهرت حقيقة قوة إيران المزعومة. ومع ذلك فإعلامنا غافل كليةً عنها ولا أدري سبباً لذلك ،هل هو نقصان معرفة..؟ أم عدم وجود متخصصين فى الشأن الإيراني..؟ أم عدم توفر مراكز معلومات توفر المادة الكافية لمثل هذه القضايا الساخنة..؟
من وجهة نظري الخاصة وأنا أستاذ تاريخ وسبق أن درَّست فى الجامعة مادة عن تاريخ إيران الحديث أن المعلومات متوفرة بكثرة وتملأ الفضاء المعرفي بتفاصيل دقيقة عن كثير من الأزمات التى تعيشها إيران داخلياً وخارجياً. فمثلاً الصراع الحالي بين مؤسسة الرئاسة والحرس الثوري وميل المرشد لمساندة الحرس واحدة من أخطر القضايا التى تهدد استمرارية النظام والتى لو تم التركيز عليها إعلامياً وعلى شكل حملات متواصلة لانشغل الملالي والساسة والعسكريون الإيرانيون بأنفسهم وربما سحبوا بعضاً من قواتهم وميليشياتهم من العراق وسوريا وقلّ دعمهم للحوثيين والكتائب الطائفية فى العراق خوفاً من انهيار النظام خاصة فى ظل وجود تربص من قوى معارضة مثل مجاهدي خلق وثوار عربستان.
معاناة الأقليات داخل إيران إشكالية أخرى يمكن التركيز عليها وهى فى الواقع تشكل أزمة ورعباً لنظام الملالي لأنها تتمدد بامتداد الجغرافيا فى الداخل الإيراني ،فالأكراد فى الشمال الغربي والعرب فى الجنوب الغربي والبلوش فى الشرق ناهيك عن معاناة الإيرانيين من العرقية الفارسية ممن لا يؤيدون نظام الملالي من أمثال مناصري منظمة مجاهدي خلق ودعاة عودة الشاهنشاهية.
ومن إحدى أهم القضايا التى بإمكانها زلزلة نظام الملالي إشكالية المرجعية الدينية ،فمن المعروف بين أبناء الطائفة الشيعية أسبقية وقوة وتأثير مرجعيات النجف وكربلاء لكن ومنذ نجاح ثورة الملالي وهم يسعون إلى تقزيم تلك المكانة وتحويلها الى مدينة قُم وقد نجح الخميني إلى حد كبير فى ذلك بعد تبنيه نظرية» الفقيه الإمام « كولاية عامة على كافة المؤمنين وبعد إبعاده لمعارضي نظريته تلك ومنهم مراجع شيعية كبرى. وهذه النظرية فى حد ذاتها إنما هى فارسية بحتة لم يتم إخراجها وتبنيها إلا على يد الصفويين والخميني بعد ذلك.
تسليط المجهر على الداخل الإيراني يُبرز كم هو هش هذا الداخل وكم هو وسيلة فاعلة ومزلزلة تشغل النظام بنفسه وتبعد إلى حد كبير شروره عن أمة العرب وعن مجتمعنا، فهل تتنبه لذلك وسائل إعلامنا بكافة أشكالها وتستثمره..؟