تعالت الكثير من أصوات «النخب» منذ بداية الأزمة القطرية حول أداء إعلامنا خلال الأزمة، أشاد أكثرها بذلك الأداء، وانتقده البعض بدرجات مختلفة، في حين التزمت مجموعة -على غير عادتها- الصمت التام حيال الأزمة بكاملها. وهذا الأمر يمكن النظر إليه في اعتقادي من جانبين مختلفين:
الأول، يتمثل في مشروعية وأهمية انتقاد أداء الإعلام خلال الأزمات بشكل مهني ومنصف يهدف إلى مساعدته على التطور وعلاج أخطائه باعتباره حصناً وثغراً من ثغور الوطن التي لم تعد تقل أهمية عن جبهات القتال المختلفة الأخرى.
ثانياً، وإذا سلمنا بأهمية ومشروعية انتقاد أداء إعلامنا (التقليدي) ونخبه، فإن هناك بالمثل مشروعية وحاجة لانتقاد إعلامنا الجديد (صحافة المواطن) والذي تعتبر النخب جزءاً هاماً وأساسياً منه، خاصة أن حجم وتأثير بعض تلك النخب وانتشارها يفوق تأثير وانتشار بعض وسائل الاعلام التقليدي، مما يضع عليها مسؤولية مضاعفة للوقوف مع الوطن خلال الأزمات، ويحتم تقييم أدائها على غرار تقييم أداء الاعلام التقليدي.
بالتأكيد إن إيجابيات إعلامنا خلال الأزمة فاقت كثيراً أي سلبيات وأخطاء حدثت منه، وهي سلبيات يمكن ملاحظتها وتقييمها، ولنتذكر دوماً أن بلادنا تواجه آلة إعلامية أنفقت عليها قطر المليارات على مدى سنوات طويلة لهدف أساسي هو الإساءة للمملكة وتقويض أمنها. آلة إعلامية لا تقتصر على قناة الجزيرة وحدها، بل مجموعة من الوسائل الخارجية وأعداد كبيرة من الإعلاميين المأجورين المكلفين بمهاجمة المملكة وتشويه صورتها، ناهيك عن جيوش إلكترونية بأكثر من 23،000 حساب مصطنع. وبرغم كل ذلك استطاع إعلامنا في أيام معدودة تعرية ذلك الإعلام المعادي وإرباكه وتحويله من حالة الهجوم للدفاع، مفنداً بالبراهين كافة مزاعم مصداقيته ومهنيته وأساليبه الملتوية للتلاعب بعواطف العامة. وأقل واجباتنا هنا هو الوقوف مع إعلامنا بدلاً من نبش وتهويل سلبياته وأخطائه التي تعتبر قطرة من محيط البذاءات والإساءات اليومية للإعلام القطري.
أما فيما يتعلق بتقييم ونقد نخبنا المختلفة باعتبارها جزءاً أساسياً من إعلامنا الجديد، فإني لن أتحدث هنا عمن تصدوا منهم لإساءات الإعلام القطري ومرتزقته، فهؤلاء قاموا مشكورين بواجبهم. لكني سأشير لمن شتموا إعلامنا صراحة أو غمزاً ولمزاً تذرعا بـ «أخلاقيات المهنة» و»حرية الرأي»، ولمن آثروا الصمت بدعوى الحياد والحفاظ على اللحمة.. لهؤلاء أسأل:
• لماذا استفزتكم بعض التجاوزات المحدودة لإعلامنا ولم تحرككم قيد أنملة بذاءات وإساءات وتآمر الجزيرة وأخواتها لعشرين سنة.
• لماذا استيقظت فجأة بدواخلكم كل قيم المهنية الإعلامية وأخلاقياتها، وهل من تلك القيم شتم إعلامنا والغمز واللمز فيه وقت الأزمات؟
• لماذا لم تعنِ لكم اللحمة والأخوة العربية والإسلامية شيئاً عندما كانت الجزيرة وأخواتها يعيثون فساداً وتمزيقاً في الوطن العربي ومنه المملكة ومصر والإمارات؟
• لماذا صمت منكم من تعوّدنا عدم سكوته يوماً واحداً في كل شأن؟ طبعاً من حق كل شخص أن يتحدث ويصمت متى شاء، ولكن من حق الآخرين أيضاً سؤاله عن موقفه طالما أنه شخصية عامة مؤثرة.
• تخيلوا معي مثلاً أن إحدى صحفنا أو قنواتنا الخاصة صمتت أو أعلنت الحياد خلال الأزمة أو انحازت ضد موقف الوطن صراحة أو غمزاً ولمزاً، ماذا سيكون موقفكم منها ؟ الأمر سيان في عصر الإعلام الجديد.
• أخيراً وبكل تأكيد، لا للمكارثية والتشكيك في الوطنية، لكن كل ما سبق ليس من ذلك أبداً، بل هو مجرد نقد وتقييم طبيعي ومشروع لأداء إعلامنا الجديد ونخبه، مثله مثل النقد اليومي لإعلامنا التقليدي ونخبه.
لا للمكارثية، نعم لنقد إعلامنا الوطني قديمه وجديده ونُخبه
تاريخ النشر: 19 يوليو 2017 01:11 KSA
A A