Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عادل خميس الزهراني

وبعد.. فماذا بقي من حمزة شحاتة..؟!

A A
كانت الندوة التي ضمتها الخيمة الثقافية بسوق عكاظ يوم السبت الماضي، بتنظيم مميز من اللجنة الثقافية بجامعة الطائف، فرصة جميلة وسانحة للنقاش حول شخصية وأعمال حمزة شحاتة المثيرة للجدل. أعتقد أن صفة التجاوز التي تسم شخصية حمزة شحاتة تقف خلف كثير من الاهتمام الذي يسبق أي فعالية تتناول أدبه، فشخصيته -في رأيي- من تلك الشخصيات التي تلغي حدود الأزمان، وتسافر بينها دون عوائق؛ الأعمال التي خلّفها، وقد طُبعتْ جميعا بعد وفاته، مليئة بالأفكار العميقة والمتناقضة أحيانا، وهو ما يجعل الجدل يحتدم في أي مناسبة يكون اسمه مطروحا فيها

.

كل ذلك ظهر جليا في سير الندوة، التي أدارتها د. نجلاء مطري باقتدار رغم سخونة المحاور وتفرّع المداخلات والتعليقات، وقد كان لي الشرف بأن أكون ضمن المشاركين في الندوة، مع أستاذنا الدكتور محمد مريسي الحارثي، ود. عبدالله المعيقل، ود. إيهاب مصطفى. وأحسب أن مشاركتي نالت قدرا لا بأس به من سهام الحضور إعجابا وهجوما، ولعل ذلك يعود للطريقة التي انتهجتها في حديثي محاولا أن أخلط الذاتي بالموضوعي في إجابتي على السؤال الذي اخترته عنوانا لحديثي: (ماذا بقي من حمزة؟!)، ولعل حماسي الظاهر لشحاتة سبب آخر خلف النقد الذي وجه لحديثي

.

ورغم ذلك.. يبقى السؤال -الذي لم يفهم أبعاده بعض الحاضرين- حاضرا وشاغلا مساحة من ذهني، فأنا -كما عبرتُ عن ذلك في الندوة- أعتقد أنه سؤال يخصنا نحن، أكثر مما يخص حمزة شحاتة نفسه..!! أعتقد أننا –كأمة عربية- لا نزال ندور في حلقة مفرغة، فيما يخص تعاملنا مع الشخصيات العظيمة التي تمر على تاريخنا. وقد ضربت مثالين لذلك، هما ابن رشد ونيتشه، وقلت إن تأثيرهما لم يكن إلا بعد وفاتهما، حيث جاء من آمن بهما، وفهم أفكارهما، وطورها إلى مشروعات فكرية تناسب العصر. قلتُ إن نيتشه مثلا اتهم بالتعصب للقوة وللعرق، وهناك من تطرف فرأى في أعماله بعضا من جذور النازية، لكن هذا لم يمنع الباحثين المتزنين من أن يدرسوا أفكاره ويضعوها في سياقها الصحيح، لتفهم بطريقة أفضل، ويصبح تأثيرها الإيجابي أكبر. للأسف لم نستطع نحن أن نفيد من أفكار ابن رشد وأن نطورها، فظل تأثيره وتأثيرها على أمتنا هامشيا

.

شيخ الإسلام ابن تيمية مثال آخر.. ولكم أن تلاحظوا كيف فرّغنا شخصية عبقرية مثله، باقتطاع مقولاته واستخدامها خارج سياقاتها التاريخية بطريقة شوهت مشروعه العظيم الذي أفنى حياته فيه وأخلص له... وقبل أن يفرح أو يغضب أحد، فأنا أعني هنا الطرفين اللذين يستخدمانه أيقونة للصراع والنزاع (أعني المتحمسين لآثار الشيخ والناقدين لها).

في ندوة عكاظ.. كان هناك من يحاول أن يكرر العبارات المقولبة عن حمزة شحاتة؛ أعني تلك التي تتهمه بالتعصب للرجل والتحيز ضد المرأة والعنصرية... وهي في رأيي آراء تسقط في الخطأ ذاته؛ إذ تقتطع بضع مقولات لحمزة من سياقها التاريخي والاجتماعي، وتكتفي بالفهم السطحي للكلمات، دون اكتراث للمشروع الفلسفي الشحاتي. من هنا يظل السؤال مشرعا أمامنا، بل مسلولاً في وجوهنا كسيف: ماذا بقي من حمزة؟! أعتقد أن في أعمال حمزة شحاتة ما يمكننا من أن نبني مشروعاً فكرياً يساهم في دعم مسيرة التطور الذي يقوم على احترام القيم الإنسانية السامية. لكني أعتقد أيضاً أننا لسنا جاهزين لمشروع كهذا.. وبذلك لن يكون حمزة أكثر حظاً من ابن رشد.. ولا من ابن تيمية!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store