مِن أَبرَز النَّظريَّات فِي الإعلّام، التي تَستَحق الدِّرَاسَة، نَظريّة «الاستخدَامَات والإشبَاعَات»، وهي –باختصَار- نَظريَّة تُحلِّل العَلاَقة بَين الوَسيلَة الإعلَامية والمُستَقْبِل، أَو المُتلقِّي، لِمَا تَبثّه، إذْ هُمَا –الوَسيلَة والمُستَقْبِل- يَعيشَان حُبًّا مِن طَرفين، ولَيس مِن طَرفٍ وَاحِد، فالقَنَاة تَبحَث عَن رِضَا المُشَاهِد، والمُشَّاهِد يُكرم هَذه القَنَاة بمُتَابعتهَا
..!
تَقول البَاحِثَة البَحرينيَّة «بسمة قائد البناء»، فِي كِتَابهَا «تويتر والبِنَاء الاجتمَاعي والثَّقَافِي لَدَى الشَّبَاب»: (يُعدُّ مَدخل الاستخدَامَات والإشبَاعَات مِن أَهم المَدَاخِل، للتَّعرُّف عَلى طَبيعة التَّأثيرَات الاجتمَاعيَّة لوَسَائِل الاتِّصَال الجَمَاهيري، ودَوَافِع الاستخدَام والنَّتَائِج النَّاجِمَة عَنه، حَيثُ قَدَّم «كاتز وبلوملر وجورفيتش»، نَظريَّة اتَّسمَت بطَبيعة نَفسيَّة اجتمَاعيَّة؛ تَتَّخذ مِن الجمهُور مِحوَرًا لَهَا، وتَفتَرض أَنَّ الجمهُور نَشيط وإيجَابي؛ فِي تَفَاعلِهِ مَع وَسَائِل الإعلَام، بهَدَف إشبَاع الاحتيَاجَات النَّفسيَّة والاجتمَاعيَّة لَه، حَيثُ تَحوَّل التَّساؤل الرَّئيس مِن: «مَاذا تَفعَل وَسَائِل الإعلَام بالجمهُور»؟، إلَى: «مَاذا يَفعل الجمهُور بوَسَائِل الإعلَام»؟، ويَقوم هَذا المَدخَل عَلى مَقولة رَئيسة، وهي أَنَّ الجمهُور يَختَار وَسيلَة إعلَاميَّة مُعيَّنَة، أَو رَسَائِل إعلَاميَّة مُعيَّنة، لإشبَاع حَاجَة مُعيَّنة لَديه
)..!
كُلُّ ذَلك يُؤكِّد صمُود مَقولة: «الجمهُور عَاوز كِدَه»، لذَلك لَا تَعتَقدوا أَنَّ أَكثَر وَسَائِل الإعلَام؛ تَبحَث عَن الحَقيقَة أَو الصَّواب، بَل هَدفهَا الحَقيقي دَغدغة الجَمَاهير، وضَخّ كُلّ ما يَتنَاسب مَع تحيّزاتهم الفِكريَّة ودَوَائرهم المَعرفيَّة.. مَثلًا: إذَا كَان جمهُور الوَسيلَة الإعلَاميَّة؛ يُؤمن بنَظريّة المُؤَامرة، فإنَّ الوَسيلَة تَعزف عَلى هَذا الوَتَر، وتُشعر المُتلقِّي بأنَّه يَعيش دَاخِل مُؤَامَرَة كَبيرة، تَستَهدف شَخصه، وتَستَهدف وَطنه، وتَستَهدف دِينه
..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟
!
بَقي أَنْ نُلخِّص هَذه الفِكرة بنَظريَّة عَرفجيَّة تَقول: «قُل لِي مَاذا تُتَابع؟ أَقُل لَكَ مَن أَنتَ»..!!