هناك.. حيث كانت السماء ظلا والأرض وطنًا، وحيث كان للربيع محل.
هناك.. حيث كانت بغدادنا فاتنة الشرق، وشامنا عينه وجنة الأرض، وحين كان يمننا سعيدًا.
تبدَّل الحال إلى المحال..
أصبحت مطالب الحرية تعديًا ووحدة الصف انشقاقًا، وانبرت أصوات الباطل تنعق بالهلاك، وللخلاص ابتلعت الأرض أبناءها في جوفها.
هناك.. حيث كان متعهد التقليب والتمزيق والتشظي ينتشي نزقًا.. كانت الطائفية إما طوق نجاة أو منفذًا إلى موت سحيق.
بين قرار مضاد وواقع يُعاش وعقول غابت في ضباب العتمة، استفاقوا ذات صباح غارق في الدم على حقيقة أنهم ليسوا سوى بضاعة مزجاة قابلة للإتلاف.
هناك.. حيث بقايا رماد خانق وحياة استحالت وزرًا، شيّعت الأجساد أرواحها، وأعلنت الصورة قدومها بسرعة البرق، مختصرة المسافة بين الأرض والسماء، واليأس أضفى ظلالًا معتمةً على المكان، ولم يبق من الحياة سوى فاصلتين ونقطة وصفحة استودعت سطورها بين صعقة الميلاد واحتضان الموت.
هناك.. حيث بات الفرار إلى الموت مصيرًا، وحيث استقرت الثكالى في زوايا حداد موغل في السواد.
غابت عن الأرض خطوط رشدها، وباتت بين ليلة وضحاها حبلى بالفراغ، إلا من صرير أبواب ماثلة رهن الاحتمال أو اليقين، وأطماعٍ اقتات بعضها بعضًا.
هناك.. حيث لم يبقَ من الأرض أرض، وأصبح المنطق خرافة، والحقيقة وهما.. تحالف الأضداد، وطفا على السطح كل مختل وزائف.
هناك.. أمست الحياة تنمو عكس اتجاهها..
واعتلى الدجال المنابر! وشهد شروق الشمس اغتياله، حتى بلغ التجمد أقصى خلايا البقعة.
وهناك...
حيث يُبنَى المجد فوق الجماجم، وحين تثمر الخسارة ربحًا..
احتل الصفر كل خانات العدد.
وبقيت الأجساد مصطفَّة فوق أرصفة الحدس والتربص، ماضية صوب فصلها الأخير.