الحَديثُ عَن الحُبّ لَيس مُمتعًا دَائِمًا، بقَدر مَا يَتصوَّر البَعض، إذْ كُلَّما تَوغَّلت اليَوميَّات فِي عَالَم الحُبّ، اكتَشفنَا بأنَّه سَائِل يَمزج بَين الدَّاء والدَّوَاء، تَمامًا مِثل هَذه اليَوميَّات التي تَمزج بَين الضّحك والبُكَاء:
(الأحد): هَل يُحِب الإنسَان أَكثَر مِن مَرَّة؟.. هَذا السُّؤَال حَيَّر البَاحثين والمُحبِّين والعَاشقين، والفَلَاسِفَة والمُفكِّرين، ولَا يجزم بِهِ إلَّا شَخص امتَلك الجُرأَة، وزَعم امتلَاك الحَقيقَة، مِثل الشَّاعِر الألمَاني «غوته»، الذي قَال: (إنَّ الإنسَان لَا يُمكن أَن يُحبّ إلَّا مَرَّة وَاحِدَة)..!
(الاثنين): عِندَمَا نُحِب يَجب أَنْ نَعتَمَد عَلى البُوصلَة، ولكُلِّ قَلب بُوصلته؛ التي تَهدي صَاحبهَا إلَى أَمَاكِن الحُبّ، ومَواطِن العِشق، وفِي ذَلك يَقول أَحدُهم: (هُنَاك بُوصلَة يُمكن استخدَامهَا فِي سَفينة القَلب، حَتَّى لَا يَغرق الحُبّ، ونَفقد السَّفينَة فِي ضَبَاب المَشَاعِر، هَذه البُوصلَة هي العَقل الدَّاخِلي، هي الفُؤَاد)..!
(الثلاثاء): تَختَلط عِندَ البَعض، مَشَاعر الحُبّ مَع مَظاهره، التي تَبدو وكَأنَّها حُبّ، وهي لَيست كَذَلك، وقَد انتَبه إلَى ذَلك السيَّد «والتر وين»، صَاحب كِتَاب «أَبوَاب الحُبِّ المُغلَقَة»، حِين قَال: (إنَّ مُعظم مَا يُؤخَذ مِن عَواطِف البَشَر عَلى أَنَّه حُب، لَا يَمتُّ إلَى الحُبِّ إلَّا فِي مَظهره، فإذَا لَم تَكن العَاطِفَة مَغروسة جيَّدًا فِي أَعمَاق المَرء، كَان هَذا مُجرَّد انعكَاس لصُورة زَائِفَة للعَاطِفَة)..!
(الأربعاء): سَألني أَحدُهم عَن تَعدُّد «الغَرَامَات»، فأَجبته بعِبَارة أَحَد الأُدبَاء التي يَقول فِيهَا: (قَد يَنسَاق القَلب وَرَاء أَلف غَرَام؛ مِن هَذا النّوع السَّطحي العَابِر، ولَكن هَذا كُلّه سُرعَان مَا يَتبخَّر ويَنقَشع كالسُّحب المَارّة، ويَبقَى إحسَاس وَاحِد تِجَاه إنسَان وَاحِد. يَبقَى هَذا الرّبَاط الذي نَحسّه؛ يَعقد القَران بَين فُؤادنا وقَلب مَن نُحب، وبَين روحنَا وروح مَن نُحب)..!
(الخميس): بَين الحُب الصَّادِق والكَاذِب فرُوقَات، عَدَّدها أَحد الأُدبَاء، حِين قَال: (يَختَلف الحُب الصَّادق عَن الحُب الكَاذِب فِي كُلِّ شَيء، ففِي الحُب الصَّادق نَتَّصل بقَلب الكَون مُبَاشرةً، ونَنشُد حَقيقة كُبرَى، ونَقتَرب مِن الله حِين نُمَارس مُجرَّد الشّعُور بالحُب. أَمَّا فِي الحُب الكَاذِب، فنَسعَى وَرَاء مَا يَسعَى إِليهِ الكَافَّة. وفِي الحُبِّ الصَّادِق نَسمو، ونَترفَّع عَن الصَّغَائِر، ونَحس بالامتلَاء الرّوحِي. أَمَّا الحُب الكَاذِب فيُشبع الجَسَد؛ ويَترك الرّوح جَائِعَة أَشد الجوع. فليَرحمنَا الله بنُور هَذا الفُؤاد، حِين تبحر سُفننَا فِي بِحَار الحُبِّ الإنسَاني)..!
(الجمعة): الحُب والرَّغبَة شَيئَان مُتشَابِهَان، والتَّفريق بَينهمَا لَيس بالسَّهل، لذَلك مِن الجيَّد أَنْ نَذكر الفَرق بَينهما، مِن خِلَال الاستعَانَة بأَحد خُبرَاء الحُب، الذي يَقول: (يَختَلط الحُب بالرَّغبَة، فالحُب شَيء، والرَّغبَة شَيءٌ آخَر. إنَّ الرَّغبَة تَنطَفئ حِين يَتم إشبَاعهَا، أَمَّا الحُب فيَزيد بَعد إشبَاعه، وتَمتَد جذُوره فِي الأَرض ويُثمر، وأَحيَانًا نَطلق عَلى رَغبتنَا اسم الحُب، فنَتصوَّر أنَّنا أَمَام حُب، بَينمَا نَرغب فِي شَيءٍ آخَر)..!
(السبت): الحُب والأَنَانية يَستعمرَان قَلب المُحبّ، فيَفتِكَان بِهِ، ولذَلَك مِن المُستَحسن أَنْ نُشير إليهمَا، حَتَّى يَنتَبه لَهُمَا كُلّ مُحب، وفِي ذَلك يَقول الأستَاذ «أحمد بهجت»: (يَختَلط الحُب بالأَنَانية، ولَعلَّ الأنَانية هي الشَّائِبَة التي يَصعب فَصل الحُب عَنهَا، وتَأخذ هَذه الأنَانية -عَادةً- صُورة مُدهِشَة فِي الحُب، حِين نُحب نُحاول طَبع المَحبوب عَلى صُورتنَا، أَو نُحاول قَهره عَلَى أَنْ يَكون صُورة أُخرَى مِنَّا)..!!