قَبْل أَيَّام كَتبتُ نَاصية أَقول فِيهَا: «سُبحَان الله، مُعظم الشَّعب صَاروا مِثل بَعض رُؤسَاء تَحرير الصُّحَف، الذين يُمارسون الوصَاية عَليك، ويَقولُون لَك: اكتُب كَذَا ولَا تَكتب كَذا، وافعَل هَذَا ولَا تَفعَل ذَاك»..!
ونَظرًا لأنَّ النَّاس قَد شَرَّقوا وغَرَّبوا؛ فِي فَهم هَذه النَّاصية، دَعونَا نَبْسط القَول فِيهَا ونُبسِّطه، ونَشرَح مَا اختَفَى، ونُوضِّح مَا استَتَر.. بِدَايةً أَقول: إنَّ رُؤسَاء التَّحرير مِن حَقّهم التَّدخُّل فِيمَا يُكتَب، لَيس لأنَّهم أَعلَم وأَعرَف مِنَّا، بَل لأنَّهم هُم مَن يُسأل أَمَام الجِهَات النِّظَاميَّة، عَمَّا يُنشر فِي صُحفهم، أَمَّا بَقيَّة النَّاس، فأَغلَب وصَايتهم عَلَى الكُتَّاب، لَيسَت أَكثَر مِن اقترَاحَات الجَاهِل، الذي يُحاول أَن يَنفَعك فيَضرّك..!
أُمَارس الكِتَابَة بشَكلٍ يَومي، وأتلقّى -كَما يَتلقّى غَيري مِن الكُتَّاب- الكَثير مِن رَدَّات الفِعل، وأقرَأ كُلّ الرّدُود، ولَكن لَا أَستَفيد إلَّا مِن القَليل مِنهَا، نَظرًا لأنَّ أَغلَب الرّدُود؛ تَنبَثق مِن قِلّة الوَعي، وحُبّ المُشَاركة وشَهوة الاقترَاح، حَيثُ يَقول لَكَ البَعض: «لِمَاذَا كَتبتَ كَذا؟ ولِمَاذا لَا تَكتب عَن ذَاك؟ ولَيتك لَم تَفعل هَذا».. وفِي الغَالب أَردُّ عَليهم بكُلِّ برُود وأَقول: «لَا، أَحسَن، تَعَال اكتب بَدَالي»..!
أَكثَر مِن ذَلك، البَعض يَقتَرح ويَتفلسف، فإذَا قُلتَ لَه: اكتب اقترَاحك بشَكلٍ مُرتَّب، وارسله لِي حَتَّى أَنشره، خَاف ووَلَّى الدُّبر، وفَرَّ كَما تَفرُّ الفِئرَان المَذعُورة..!
حًسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: أَيُّها النَّاس، مِثلمَا تَبخلون عَلينَا بأَموَالكم، ابخَلوا عَلينَا بآرَائكم، فلَا تُخرجوهَا إلَّا مِثلما تُخرجون الزَّكَاة، حِين يَمرُّ عَليهَا الحَول، ويَكتَمل نِصَابها الفِكري، حَتَّى تَكون طَيّبَة ومُثمِرَة، ومُفيدة ومَحبُوبَة لَديكم، فالله طيِّبٌ لَا يَقبَل إلَّا طَيَّبًا، مِن هُنَا أَقول بصَريح العِبَارَة: لَا تُنفقوا عَلَيَّ مِن آرَائكم، إلَّا المَحبُوب والمَرغُوب مِنهَا، فالله -عَزَّ وجَلّ- قَال: (لَن تَنَالوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحبُّون).
20 مليون رئيس تحرير يمارسون الوصاية التحذير!!
تاريخ النشر: 10 أغسطس 2017 01:12 KSA
الحبر الأصفر
A A