نعيش هذه الأيام فتنة عظيمَة تنوَّعت أسبابُها، واختلفت مقاصدُها، فتنة من إخوة وجيران، فأصبحوا شوكة في خاصرنا عشبة ضارة في فناء حديقتنا.
فتنة تطايَر شررها، وتزايَد ضررُها، أوقد شُعلتها فارون ومرتزقة وحملها حكام دولة شقيقة هي قطر، حكام طامعون لقيادة الأمة والتميز على الجميع؛ واتبعوا في سبيل تحقيق ذلك كل الطرق والأساليب أكانت مشروعة أو قذرة، لكنه يظل حلم طفل بقيادة طائرة!
فاتخذت سلسلة من الإجراءات اللازمة لتنبيه الجار والشقيق إلى جموحه المؤذي، إجراءات موجهة للقيادة السياسية روعي فيها تجنيب المواطن الشقيق في قطر أي تبعات قد تُلحق الضرر به.
لكن يبدو أن غربان البين كانت تنتظر مثل هذه الفتن، لتنعق بالفتنة في كل مكان، فبدأ يعلو صوت وطنيتهم الذي لا يظهر إلا حين تُدق طبول الفتنة، وبدأوا يشككون في ولاء ووطنية البعض، ونصبوا أنفسهم قيمين على الوطن، ونحن لا نشكك في نواياهم التي لا نعلمها، لكننا نصنفهم في فئة الأحمق الذي يضرك من حيث يحسب جلب المنفعة لك.
والتصنيف من الفتن التي عمّت وطمّت في هذا الزمن، وفرّقت المسلمين شيعاً وأحزاباً، حتّى أُمتُحن البعض من العلماء والدعاة، فنالوا من عِلمهم، من إخوان لهم جعلوا أكبر همّهم تتبّع الزلات، وتصيّد الأخطاء والهفوات، مخالفين بذلك منهجنا القويم. فجدوّا في حشد الرأي العام ضدهم، سلاحهم في ذلك ما حوته عقولهم من معارف جدلية، وما عُقِدت عليه ألسنتهم من فصاحة جاهلية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَخْوَفَ ما أَخَافُ على أمتي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ) رواه أحمد.
فاستنطاق الناس وتتبعهم هو الفتنة بعينها، لا هدف له إلا إقامة الحجة جزافاً على من لا نحب من العلماء والدعاة والكتاب، والعبث بنسيجنا الاجتماعي ووحدتنا الوطنية، نعم إنها فتنة عظيمة سقطت فيها الأقنعة عن وجوه أصحابها، وظهرت النباتات المتسلقة التي لا ترى ضوء الشمس إلا بالصعود على ظهور الآخرين، وأصبحوا هم المنظرين المعلمين للناس حب الوطن والوطنية، إنها لفتة أن يعطى مثل هولاء الوصاية على فكر الناس ويعطوا كل هذه المساحة والحرية في الإعلام، وإني أخشى ما أخشاه أن تستمر هذه الغربان في تغذية نعيقها من الفتن، وأن تجعل من الوطنية محاكم تفتيش، ومن الإعلام محكمة مفتوحة هم القضاة فيها وهم المدعون.