عَجيبٌ هو الإنسَان، يَلهَث خَلف الأشيَاء، فإذَا أَدركهَا زَهد بِهَا، ورَخُصت فِي عَينه، لذَلك حِين سُئل أَحَد الفَلَاسِفَة؛ عَن أَجمَل الأشيَاء فِي عَينهِ قَال: (أَجمَل الأَشيَاء هِي تِلك التي لَم تُحقَّق، لأنَّني أَسعَى إِليهَا).. كَما أَنَّ الأَمثَال النَّجديَّة تَقول: (شي ترجيه ولا شي تاكله)..!
إنَّ الإنسَانَ يَلهَث وَرَاء الأَشيَاء؛ التي لَم يُدركهَا، فإذَا أَدركهَا؛ كَانت فِي عَينهِ مِن الأَشيَاء الرّخيصَة، أَو لِنَقُل المُعتَادة عَلَى أَقَل تَقدير.. حَقًّا، لقَد لَمس شَيخنا «علي الطنطاوي» هَذه الخَاصيَّة فِي نَفس الإنسَان فقَال: (الإنسَان مَفطورٌ عَلى الطَّمَع، تَرَاه أَبداً كتَلميذ المَدرسَة، كُلَّما بَلغ فَصلاً، كَان هَمَّه أَنْ يَصعد إلَى الذي فَوقه، ولَكن التّلميذ يَسعَى إلَى غَايَةٍ مَعروفَة، إذَا بَلغهَا وَقَف عِندَها، والمَرء فِي الدُّنيَا يَسعَى إلَى شَيء لَا يَبلغه أَبداً، لأنَّه لَا يَسعَى إِليهِ ليَقف عِنده، ويَقنَع بِهِ، بَل ليُجاوزه رَاكِضاً، يُريد غَايَة هي صُورة فِي ذِهنه، مَا لَهَا فِي الأَرض مِن وجُود)..!
ولَكن السُّؤَال: لِمَاذَا يَسعَى الإنسَان للحصُول عَلَى الأشيَاء، فإذَا مَلكهَا رخُصَت فِي عَينه؟.. يَقول الشَّيخ «الطنطاوي»: إنَّ هَذا السُّؤَال طُرِح وأُجيب عَنه، ولَو سَألتَ «الطنطاوي» نَفسه: مَن أَجَاب عَن هَذَا السُّؤَال؟ لقَال لَك: (لقَد أَجَاب عَلَى ذَلك رَجُلٌ وَاحِد، رَجُلٌ بَلغ فِي هَذه الدُّنيَا أَعلَى مَرتبَة؛ يَطمح إليهَا رَجُل، وهي مَرتَبة الحَاكِم المُطلق فِي رُبع الأَرض «فِيمَا بَين فَرنسَا والصّين»، وكَان لَه مَع هَذا السُّلطَان، الصِّحة والعِلْم والشَّرَف، هو «عمر بن عبدالعزيز»، الذي قَال: «إنَّ لِي نَفساً تَوَّاقة، مَا أُعطيَت شَيئاً إلَّا تَاقت لِمَا هو أَكبَر، تَمنَّت الإمَارة فلَما أُعطيَت لَهَا، تَاقَت إلَى الخِلَافَة، فلَمَا بَلَغَتْهَا تَاقَت إلَى الجَنَّة»)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: أَتمنَّى أَن نَفهم هَذه الخَاصيَّة فِي الإنسَان، حَتَّى نَعرف لِمَاذا يَسعَى الرَّجُل؛ خَلف الفَتَاة التي يُحبّها، فإذَا تَزوَّجها زَهد بِهَا؟، ولِمَاذَا يَسعَى المُراهِق إلَى شِرَاء سيَّارة، فإذَا اشترَاهَا زَهد بِهَا؟، ولِمَاذَا يَسعَى الطَّالِب إلَى الحصُول عَلَى الدَّرجَة العِلميَّة، فإذَا حَصَل عَليهَا زَهد بِهَا..؟.