مما وصف الله عز وجل بعض الأقوام المكذبين قوله (في سورة فاطر) عن سبب توليهم: (استكبارًا في الأرض ومكر السيئ، ولا يحيق المكر السيئ إلاّ بأهله، فهل ينظرون إلاّ سنت الأولين، فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا).
ولأن القرآن الكريم معجزة الكون في الأولين والآخرين، فإن ما قيل عن أقوام سبقوا، ينطبق عبر التاريخ على أقوام لحقوا، غرتهم قوتهم فانتفش باطلهم وزاد انحرافهم وساء أدبهم، وصاحوا بأعلى صوتهم: (من أشد منا قوة؟). قالها الأولون من أقوام مُد لهم بساط القوة والمنعة والخيرات من أمثال عاد وثمود وفرعون وقوم لوط، وقالها لاحقون من أمثال ستالين ولينين وهتلر وموسوليني وماوتسيتونغ.
وأمثلة اليوم شاهدة على تكرار التجربة، وعلى سريان الشعور بالعظمة، وعلى مبدأ سيادة القوة، ولا غير القوة.
ومع الاستكبار والعلو اقترن فعل آخر ومنهج فاسد هو "مكر السيئ" هذا المكر الذي تزاوله دول كما تزاوله هيئات ومؤسسات وأفراد. وشواهد العصر الحاضر لا تغيب عن عاقل، فهي أوضح من نور الشمس في يوم قائظ.
وقد يُخيل للناظر أن المكر السيئ قد أدّى مفعوله وثبت نجاحه، وقد ظهرت آثاره، وأنه لن يزول، ولكن العبرة بالنهايات.
أولاً لابد من ملاحظة أن من سنن الله كذلك أن الكيد والمكر لا يسري مفعولهما "المؤقت" إلاّ لضعف في الطرف الآخر: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا..). نعم ربما لحق بالمكيد له شيء من الأذى: (لن يضروكم إلا أذى)، لكنه في نهاية المطاف كيد خاسر، ومشروع فاشل، ومكر أولئك هو يبور.
ومكر الدول "الماكرة" مشهود في رعاية الانقلابات كما حدث في بعض دول أمريكا الجنوبية وغيرها، وكما هو حاضر في دعم قيادات "الدمى" التي تخون شعوبها خفية وتستجيب لمطالب أعدائها سرًّا، وحتى جهرًا بعد أن تلبسها ثياب الوطنية وتزينها في عيون شعوبها عبر أذرعتها الإعلامية التي تقلب الحق باطلاً والحقيقة زورًا.
وعزاء الصابرين وعد رب العالمين بأن لا يحيق المكر السيئ إلاّ بأهله!!