مَن يُتَابع مَجَالِس النَّاس، أَو مَواقِع التَّواصُل الاجتمَاعي، أَو يَتأمَّل مَعَاني الكَلَام، يَجد سطُوع وبرُوز ظَاهِرَة «شَهوَة الاقتِرَاحَات»، وإدلَاء الآرَاء فِي القَضَايا التي يَفهم النَّاس فِيهَا، أَو القَضَايَا التي لَا يَفهَمون فِيهَا..!
بالتَّأكيد لَا اعترَاض لَدَيَّ عَلَى تَضخُّم شَهوة الاقترَاحَات، وإبدَاء الآرَاء لَدَى البَعض، فمِن حَقِّ كُلِّ إنسَان، أَنْ يُبدي رَأيه فِيمَا يَرَاه، ولَكن بالنَّسبةِ لِي، فأَنَا أُعَامِل آرَائي كَمَا يُعَامِل الأَب بَنَاته، فلا يُزوّجهنّ إلَّا لِمَن يَدفع الثَّمَن الغَالي، ويُحسن مُعَامَلتهنّ..!
ولَعلَّ أَبرَز مَا لَاحظتُه مِن خِلَال شَهوة الاقترَاحَات، أَنَّ أَكثَر المُقتَرِحين يُمَارسون الاقترَاح؛ مِن بَاب شَهوة الكَلَام، دون خَلفيَّة مَعرفيَّة كَامِلَة؛ للأشيَاءِ التي يَقتَرحون حَولهَا.. وحَتَّى يَتَّضح المَقَال، دَعونَا نَضرب المِثَال:
المِثَال الأَوَّل: أُقَابل خَلقًا كَثيرًا مِن النَّاس، فأَجد أَكثَرهم يَقول: يَا أَخي مَقَالَاتك حلوَة، لِمَاذَا لَا تَجمعها فِي كِتَاب؟، ومِثل هَذَا الاقترَاح آخذُه عَلَى سَبيل السُّخريَة والمزَاح، لأنَّ الأَخ المُقتَرِح؛ لَا يَعلم أَنَّ لَديَّ أَربَعة كُتب، كُلَّها نَتيجة مَقَالَاتي التي جَمعتُهَا..!
المِثَال الثَّاني: يُقَابلني فِي المَطَار شَخصٌ آخَر، وفِي حَديثٍ عَابِر يَقول: يَا أَخي الفَتوَى صَارت فَوضَى، لِمَاذَا لَا تَكتُب أَو تَتحدَّث- فِي أَحَد بَرامجك- عَن الفَتوَى وخطُورتها؟، بالتَّأكيد سآخذ هَذا الاقترَاح مِن بَابِ المُدَاعَبَة والمزَاح، لأنَّ صَاحِب الاقترَاح لَو كَان جَادًّا، لمَا اقتَرَحه، وهو يَعلم أَنَّني كَتبتُ أَكثَر مِن خَمسين مَقَالًا عَن الفَتَاوَى، وأَصدرتُ كِتَابًا عَن غَرائبهَا، وقَدَّمتُ حَلقَات تلفزيونيَّة كَثيرَة عَن الفَتَاوَى..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: أَرجُوكم أَيُّها النَّاس، حَاولوا أَنْ تَحتَرموا أَنفسكم لتَحترموا غَيركم، فلَا تَقتَرحوا شَيئًا إلَّا بَعد أَنْ تَدرسوا مَوضُوعه، وتَبحثُوا كُلّ جَوانِبه وأَبعَاده، حَتَّى لَا تَكونوا مَضحَكَة للآخَرين..!!