لم يأتِ فرانسيس الأول بابا الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان بجديد حينما قال في نزعة إنسانية مستغرَبة -بحسب سكاي نيوز عربية- إن ما يتعرض له مسلمو الروهينغا من قتل وتعذيب من قِبل سُلطات ميانمار إنما جاء لكونهم (فقط) مسلمِين. لم يكن اللافت للنظر في شهادة فرانسيس كونها الوحيدة، فقد سبقتها مئات الشهادات، ولا كونها صادقة فغيرها أكثر صدقًا وأدق وصفًا عن الحال المأساوية التي يتعرض لها مسلمو الروهينغا على يد السلطات البوذية في ميانيمار منذ فترة ليست بالقصيرة، إنما اللافت هو كونها أتت من شخصية دينية كبيرة تقف على رأس هرم ديانة واسعة الانتشار، هذه الديانة على تضاد وعدم وفاق مع الدين الإسلامي الذي هو خاتم الديانات والمهيمن عليها، ولكونها وَصفت وصفًا دقيقًا العلة وراء عمليات القتل والتعذيب التي تمارسها سُلطات ميانيمار بحق مسلمِي الروهينغا ألا وهي كونهم (مسلمِين) ليس إلا. لقد وصل المسلمون إلى فترة رديئة أدَّى الهوان والضعف بهم فيها إلى أن يلجأوا -مضطرِّين- لأعدائهم لنصرتهم وتأييدهم ولو بكلمة عابرة، ظاهرها النصرة والتأييد وباطنها قد يكون غير ذلك. لكنَّ الذي ينبغي أن يُؤخذ في الحسبان هو أن سُنة الله الماضية التي لا مناص عنها هي أن المؤمنِين بالله الموحدِين له المتَّبِعِين لرسله تجدهم -على مر التاريخ الإنساني- معرضِين للعذاب والتنكيل والظلم من قِبل الحكومات والجماعات والأفراد الذين لا يؤمنون بالله ولا يوحدونه ولا يتبعون رسله، بل إن المتتبع لسيرة الأنبياء عليهم السلام -وهم أفضل الخلق- يجدهم أيضًا تعرضوا لشتى أنواع العذاب من قتل وإحراق وتشريد وسجن ونفي وغيرها من أنواع البطش والتنكيل. واليوم أجزم أن قصة أصحاب الأُخدود تكرر نفسها على أرض أركان الميانمارية التي تضم الأقلية المسلمة الروهينغية التي بدأت قصة عذابها منذ ما يقرب من (٥٠٠) سنة حينما ظهر -بحسب ويكيبيديا- أول اضطهاد للمسلمين لأسباب دينية، عانى مسلمو الروهينغا خلال هذه القرون صنوف العذاب من قتل وإحراق وتشريد واغتصاب ونفي، حتى لجأ الناجون الروهينغ من أبناء أركان إلى بلدان شتى من العالم ومنها المملكة التي قامت مشكورة باستضافتهم، فآوتهم وأكرمتهم منذ ما يزيد على (٧٠) عامًا. الأمر الجيد في شهادة فرانسيس أنها اختصرت الطريق على بعض المسلمِين المترددِين أو المخدوعِين أو المنساقِين وراء حملات التشويه ضد المسلمِين في أنحاء العالم، فتجد هؤلاء البعض (حكوماتٍ وأفرادًا) لا يجرؤ أكثرهم على إرجاع سببية هذا العداء لكون شعب الروهينغا مسلمِين، فتراه يُرجع السبب لكونهم (متمردِين أو منشقِّين..)، وقد تتطور التنازلات والانسياق وراء الدعايات المغرضة فيطلقون عليهم (إرهابيين) ومن ثَم يُغلَق ملف القضية ويتفرق عنها مناصروها خوفًا من اتهامهم بمناصرة الإرهاب والإرهابيين. هذا التردد وهذه المصطلحات المداهِنة هي وأمثالها التي أضاعت حقوق المسلمِين في أكثر من جزء من العالم، وهي وأمثالها التي جرَّأت الأقليات غير المسلمة للانشقاق والاستقلال عن الدول الإسلامية كالذي حصل في جنوب السودان وإقليم تيمور الشرقية في أندونيسيا، والبقية تأتي. نعم شهادة فرانسيس أتت لتصحِّح بعض المسار ولتغيِّر بعض الأفكار المغلوطة ولتغير نظرة بعض المترددِين حيال مأساة العصر، ومع هذا فشهادته غير كافية، ولن تغير كثيرًا في مسار القضية ما لم تلتفت الحكومات الإسلامية (فرادى ومجتمعة) إلى مأساة مسلمي الروهينغا وتقف إلى جانبهم ماديًّا ومعنويًّا، وتعمل على تصعيد القضية في المحافل الدولية كافة حتى توقن الحكومة البوذية في ميانمار وأمثالها أن في المسلمِين أكثر من «معتصم».
تهنئة: للحكومة والقيادة والشعب السعودي بالنجاح المتميز لحج هذا العام (١٤٣٨هـ) الذي يأتي امتدادًا للنجاحات السابقة وتأكيدًا على قدرة المملكة وتفردها في قيادة وإنجاح مثل هذه المناسبات العظيمة.