منذُ زمنٍ ولغطٌ يدورُ حولَ تقاربٍ سعوديٍ - إيرانيٍ نتيجةً لتسريبات إخبارية وتصاريحَ متضاربة من الإيرانيين، وكما هي عادة من يطيرون مع مثل هذه التسريبات دون التأكد من صحّتها سارت ركبان من هنا وهناك تؤكدُ اقتراب تفاهمات سعودية - إيرانية تعيد العلاقات الدبلوماسية إلى ما كانت عليه قبل حرق وانتهاك الإيرانيين لمبنى
السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد.
من بين تلك التسريبات والتصاريح ما أدلى به وزيرُ الخارجيةِ الإيراني محمد جواد ظريف عن تقاربٍ مع السعودية وصفها وزيرُ الخارجيةِ الأستاذُ
عادل الجبير بأنها: «مثيرةٌ للسخرية».
الأستاذ الجبير وضع النقاطَ على الحروفِ فيما يخصُّ مثل هذه الموضوعات حين قال في مؤتمر صحفي له في لندن مؤخراً: لا نرى أية جديةٍ في الحوارِ مع إيران وإذا أرادت إيرانُ تحسينَ علاقاتِها مع السعودية فعليها وقفُ الإرهابِ والتدخلاتِ، ثمة قياديون من القاعدة في إيران أعطوا أوامرَ بتنفيذ هجماتٍ في السعودية». ومثل هذا الوصف الذي قاله الأستاذُ الجبيرُ إنما يحكيه واقعُ السياسةِ الإيرانيةِ المنطلقةِ من أهدافٍ قوميةٍ عنصريةٍ (فارسيةٍ) ومن أيديولوجيةٍ طائفيةٍ وتؤيدها بشواهدَ ودلائلَ أفعالُ وأقوالُ الساسةِ الإيرانيين. فهذا محمد جواد ظريف ذاته وبعد يومٍ من تصريح الأستاذ الجبير يقول نصاً لمراسل RT الروسية: «لا أرى الآن أفقاً واضحاً ومحدوداً لتغيير علاقاتنا الحالية مع السعودية». كما أنه لم يترك من قبل مجالاً أو فرصة إلا وسعى إلى اتهام السعودية وتهديدها كما في مقالٍ سابقٍ له في صحيفة نيويورك تايمز عندما اتهمها «بالبربرية وأن جميعَ أعضاءِ التنظيماتِ الإرهابيةِ سعوديون أو تعرضوا لغسيل دماغٍ، وممولون بأموال البترودولار
».
الرئيس الإيراني حسن روحاني لم يترك أيضاً فرصةً للسعي في اتهام السعودية، ففي أول لقاء تلفزيوني له بعد إعادة تنصيبه في الرئاسة للمرة الثانية قال: «إن تدخل السعوديةِ في اليمن ودعمها للإرهابيين في اليمن وسوريا هما العقبتان الرئيستان أمام تحسين العلاقات بين طهران والرياض، يجب على السعودية التوقف عن دعم
الإرهاب».
مثل هذه الأقوال وهي أقل القليل مما يصدر عن الساسة الإيرانيين ووسائل الإعلام الإيرانية، بقدر ما هي مليئة بالمغالطات بقدر تعارضها مع حقائق الأرض والواقع والأحداث. فالسعودية ووجودها في اليمن لم يكن سوى نتيجةٍ لوجود إيراني هائل أدى إلى انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن وشكل تهديداً إستراتيجياً على الأراضي السعودية في الجنوب، كما أن الوجود السعودي ليس سوى تلبيةٍ لطلبٍ رسميٍ من الرئيس الشرعي لليمن وهو ما يتوافق مع كل القوانين والدساتير حين تتعرض حكومةٌ إلى خطرٍ فمن حقها الاستعانة بحلفاءٍ لها ومن حقهم نصرتها. أما ما هي مبررات الدعم والمساندة الإيرانية للحوثيين واليمن تبعد عنهم آلاف الكيلومترات؟ ولماذا كل هذه الأموال والأسلحة التي ترسلها إيران
لليمن؟
أما حكاية الحكايات فهي اتهام السعودية بالإرهاب والعالم بمنظماته الدولية لم يوجه لها أي اتهام في هذا الشأن بل اتهم إيران واعتبرها الداعم الأول والأكبر للإرهاب كما أن حقائق الأرضِ والأحداث تبين دعم إيران الهائل لفصائل ومليشيات إرهابية في العراق وسوريا تمارس أبشع أنواع القتل والدمار. ولمجرد التذكير لكل من روحاني وظريف نقول هل السعودية محتلة لأرض دولة مجاورة كما هو حال إيران مع الجزر الاماراتية طنب الكبرى وطنب
الصغرى وأم موسى؟
بالفعل إن كان ساسة إيران يريدون تقاربًا حقيقياً مع المملكة العربية السعودية أو مع دول عربية حرة فعليهم البعد كلية عن أفكارهم الفارسية التوسعية والتوقف عن بث الفرقة من خلال نشر الدعاية الطائفية المقيتة في أرض العرب والتسليم بأن أي أمة حرة كما هي السعودية لن تقبل أبداً بالتعدي على حقوقها والنيل من استقرارها.