بدءًا.. لا يمكن تعميم صفة الكسل على الشباب السعودي جميعهم، غير أن الملاحظ أن ظاهرة الكسل بدأت تتفشى بين أكثرهم، يظهر ذلك في اعتمادهم شبه المطلق على (الُمقِيْم) في أمورٍ حياتية كثيرة، حتى لو كان الأمر لا يتعدى مجرد تناول قارورة ماء أو إيصال علبة مناديل إلى السيارة. دعوني أضع أمامكم هذَين الموقفَين (الحقيقيَّين) لبعض الشباب السعوديِّين لتُدركوا بأنفسكم الحال التي وصل إليها بعض شبابنا. الموقف الأول: فرغ المصلُّون من صلاة المغرب، فمنهم من جلس يقرأ القرآن، ومنهم من تحلَّق في حلق الذكر، ومنهم من اقترب من شيخ يلقي درسًا علميًّا، ومنهم من غادر المسجد، غير أن الذي أثار انتباهي هو خمسة من الشباب -أعمارهم في الثلاثينيات- جلسوا بعد الصلاة يتحدثون فيما بينهم، فقام رجل عجوز (مقيم) تجاوز السبعين من عمره، قد شابت لحيته المتدلية على صدره، وانحنى ظهره لتقدُّم عمره، وأخذ يباشر بمفرده فَرْدَ السُّفَر، ثم تناول السلال الغذائية المركونة إلى إحدى سواري المسجد، وشرع في إخراج حمولاتها الغذائية من مياه وتمور وقهوة وشاي وحلويات ومعجنات وشوربة وسمبوسة وغيرها، وقام بتوزيعها على جنبات السُّفرة العامرة، ثم سكب ما يمكن سكبه في الأقداح من قهوة وعصير وماء. الأمر الذي لم أستوعبه هو أن هؤلاء الشباب الممتلئِين فتوة ونشاطًا لم يتحركوا ليساعدوا العجوز بأدنى مساعدة، ولم يداخلهم شعور الرحمة والشفقة والتقدير للعجوز، فهم ينظرون إليه وكأنه شاب قوي لا يحتاج لعطف أو مساعدة، ومن كان منهم ذا مساعدة فتنحصر مساعدته في التوجيه للعجوز ليضع الصنف في مكانه الملائم، ثم يعود لتبادل الحديث مع أصحابه. كنت أراقب الموقف باستغراب وأرمقهم بنظرات إنكار علها تُحرِّك فيهم شيئًا، ولكن دون جدوى. لم أقف عند هذا، فبادرت بسؤال أقربهم وقلت له: لماذا لا تساعدون الشايب؟ هل هو خادم لديكم؟ فرمقني بنظرات تنم عن حنقه، ولم يرد بكلمة. الموقف الثاني: وقف ثلاثة شباب -أعمارهم في العشرينيات- عند موظف الكاونتر بجوار عربة البضاعة التي فيها أغراضهم، وكانوا مشغولِين بجوالاتهم، وليس لدى أحدهم النية لدفع العربة إلى سيارتهم التي تبعد عن واجهة المحل بحوالى عشرين مترًا فقط. أخيرًا تكرم أحدهم فنادى على أحد عمال المتجر ليدفع العربة إلى سيارتهم، وبعد أن أوصلها العامل للسيارة فتح أحدهم باب السيارة ولم يمد يده هو وزملاؤه ليُساعدوا العامل ويضعوا الأغراض في السيارة بل طلبوا من العامل أن يقوم هو بوضعها. هذان الموقفان ما هما إلا نموذجان لمواقف كثيرة تتكرر كل يوم أمام أعيننا، فأنت ترى الشاب السعودي وهو ينادي من سيارته على عامل البقالة ليحضر له علبة الدخان، أو على الفاكهيِّ ليحضر له بعض الفاكهة وهو جالس في سيارته، أو يضع كيس الزبالة على (كبُّوت) سيارته حتى إذا جاور حاوية النفايات حَرَفَ مسار السيارة ليسقط الكيس على الأرض، وليس لديهم ما يعوقهم عن النزول ومباشرة حاجاتهم بأنفسهم كالمرض أو الإعاقة أو كِبر السن أو العجز وغيرها. هنا تحضرني قصة شعبية يرويها كبار السن مفادها أن طفلة -في الزمن الماضي- حاولت قضم حَجَر فلم تستطع فأخذت تبكي، فقال لها أبوها لا تبكي فسيأتي جيل تعجز يده عن تفتيت بعرة البعير.. ويبدو أن مقولة الأب قد تحققت مع جيل الرخاء. ما الذي أوصل كثير من شبابنا لهذه الحال من الكسل والاعتمادية؟ أهي التربية المدرسية؟ أم التربية الأُسْرية؟ أم هي حالة من الفوقية والتعالي؟ أم أن أجسادهم أصبحت غضة طرية لا تقوى على شيء؟.. الإجابة في ملعبكم.