لَيسَت المَرَّة الأُولَى -ولَن تَكون الأَخيرَة- التي أَكتُب فِيهَا عَن القَهوَة، سَوَاء مِن حَيثُ مَوقفي مِنهَا، أَو مِن حَيثُ البحُوث العِلميَّة؛ التي تَخرُج لَنَا كُلّ يَوم، مُبيِّنَة الفَوَائِد، أَو مُحذِّرة مِن الأَضرَار؛ التي تَجلبها لَنَا هَذه السَّمرَاء..!
وللقَهوَة مَعي قصَّة، فهي تَهدَأ أَحيَاناً، ثُمَّ تَثور فِي أَحَايين كَثيرة، وكُلَّما قُلت: نَسِيَ النَّاس مَوقفي مِن القَهوَة، أَبَت وَسَائِل التَّواصُل الاجتمَاعي، إلَّا أَنْ تُعيد تَدوير المَقطَع الشَّهير، الذي بَيَّنتُ فِيهِ مَوقفي مِن القَهوَة..!
قَد يَعتَقد البَعض، أَنَّني أَتَيتُ بأَمرٍ جَديد فِيمَا يَخصُّ القَهوَة، ولَكن كُلّ الرَّاسِخين فِي العِلْم، يَعرفُون أَنَّ المَوضوع –
أَعنِي مَوضوع القَهوَة- كُتب عَنه وقِيلَ فِيهِ مِن قَبْل 200 سَنَة..!
وهُنَا سآَخُذ مَقطعاً، كَتبه قَبل أَربعين سَنَة، شَيخنا الأَديب «أنيس منصور» –
رَحمه الله-، فِي كِتَابه «تَكلَّم حَتَّى أَرَاك»، يَقول فِيهِ: (القَهوَة شَراب يُنعش.. والذي يُنعش هو مَادة الكَافيين، المَوجودَة فِي القَهوَة وفِي الشَّاي أَيضاً. وفِي القَرن الثَّالِث عَشَر، لَاحظ أَحَد الرُّعَاة فِي الحَبشَة، أَنَّ المَاعِز إذَا أَكَلَت مِن نَبَاتٍ أَخضَر، يَرتَفع عَن الأَرض ثَلاثة أَمتَار، فإنَّها تَظل -طُول الوَقت- تَجري وتَرقُص ولَا تَنَام.. إنَّها شَجرة البُنّ.. وأَوَّل مَن تَعَاطَاهَا الرُّهبَان حَتَّى لَا يَنَاموا.. ولَمَّا اكتَشفوا القَهوَة، أَقَامُوا لَهَا مَحلَّات خَاصَّة، هِي المَقَاهِي. وقَد ازدَحم النَّاس فِيهَا، وانشَغلُوا عَن العَمَل. وقَد أُغلِقَت المَقَاهي فِي مَكَّة المُكرَّمة سَنة 1511، وفِي القَاهِرَة سَنة 1534، وفِي استنبول سَنَة 1554، وفِي إيطَاليَا سَنَة 1660، وأَغلَق المَلَك «تشارلز الثاني»؛ ثَلَاثة آلَاف مَقهَى سَنة 1675، وكَانُوا فِي ذَلك الوَقت؛ إذَا وَصفوا سيَّدة بأنَّها مُنحلَّة يَقولون: إنَّها مِن هَذا النّوع؛ الذي يَشرَب القَهوَة والشَّاي مَرَّتين فِي اليَوم)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّ النَّاس تَجَادلُوا ويَتجَادَلون وسيَتجَادَلون حَول مَوضوع القَهوَة، لأنَّهَا تُعَانق أَفوَاه النَّاس كُلّ صَبَاح، لذَلك هي حَاضِرَة فِي عقُولهم، مِثلَمَا هِي حَاضِرَة فِي أَفوَاهِهم.