ليستْ المرةُ الأولى وبالتأكيد لن تكونَ الأخيرة التي يخرج فيها مسؤولٌ إيرانيٌ أو وسيلةٌ إعلاميةٌ إيرانيةٌ لتدّعي بوجود تقاربٍ أو وساطةٍ ما بين إيران والمملكة العربية السعودية. آخرُ تلك التصريحات ما قاله حسين أمير عبداللهيان كبيرُ مستشاري رئيس البرلمان الإيراني في حوارٍ له مع وكالة الأنباء الإيرانية يوم الخميس الماضي: «إن السعودية أرسلت وسيطاً لطهران خلال اشتداد الحرب في اليمن يطلب دعمها لفتح حوارٍ مع أنصارِ الله».
المملكةُ بدورِها ومباشرة بعد نشر تصريح عبداللهيان نفت وجود أي وساطةٍ في بيانٍ أذاعته وكالة الأنباء السعودية: «إنه بالإشارة إلى التصريحات المنشورة في وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) على لسان حسين أمير عبداللهيان كبير مستشاري رئيس البرلمان الإيراني وما تضمنته من مزاعم عن طلب المملكة من إيران التوسط لها لدى جماعة الحوثي في اليمن أوضح رئيسُ الإدارةِ الإعلاميةِ بوزارة الخارجيةِ السفيرُ أسامة بن أحمد نقلي أن التصريحات لا أساسَ لها من الصحةِ جملة وتفصيلاً».
التصريحاتُ والتسريباتُ الإيرانيةُ من مسؤولين ووسائلَ إعلامٍ والتي تشيرُ إلى تقاربٍ إيراني سعودي كان يمكن أن تؤخذ من قبل السعوديين، حكومة وشعباً، مأخذ الجد لولا أن تصريحات وتسريبات أخرى لكبار القادة الإيرانيين بمن فيهم المرشدُ ورئيسُ الجمهوريةِ تتنافى كلية معها حيث تمتلئ تلك التصريحات بالتهديد والوعيد ناهيك عن الأفعال والسلوكيات التي تتنافى كلية مع جوهر علاقات مشتركة.
لم يترك المسؤولون الإيرانيون مواسمَ الحجِ والعمرةِ تمرُ دون إطلاق تصريحات مستفزةٍ إما أنها تشكك في قدرة السعودية على إدارة الحج وإما الزعم بأن حجاجَها مُنِعوا من قِبَل السلطات السعودية من أداء الفريضة أو أنهم لم يُعطوا حريتهم في فعل ما يريدون خلال الموسم حتى وإن أدى ذلك إلى تعكير هدوء الحج وسكينته وتعريض الحجاج للخطر في خروج الإيرانيين في مظاهرات تندد بالإمبريالية العالمية والشعارات الجوفاء.
وتصريحات أخرى أقل ما يقال عنها عدم أدبها في العرف الدبلوماسي كما يصف الرئيس حسن روحاني أو وزير خارجيته محمد جواد ظريف السعودية بـ «البربرية» وأنها منتهكة حقوق اليمنيين!؟
في المقابل السعوديون قادة وشعبًا كانوا ومازالوا يدركون حسن الجوار وأهمية استقرار المنطقة لكن من خلال علاقاتٍ نابعةٍ من احترام سيادة الدول وحقوق الآخرين والمعاملة بالمثل وعندما كان الإيرانيون أيام رئاسة رفسنجاني ومن بعده خاتمي كانت العلاقاتُ السعوديةُ الإيرانيةُ في أحسن أحوالها لاحترام الإيرانيين القوانين الدبلوماسية وسلوكهم المعتدل فيما يتعلق بسيادة الدول وحقوق الآخرين. أما ما يجرى حالياً ومنذ عهد الرئيس أحمدي نجاد فلا يدل على رغبة إيرانية في احترام الآخرين وخصوصاً العرب ولا اعتراف إيراني بأحقية العرب في معاملة ندية بل سياسات نابعها قومي عنصري (فارسي) وطائفي بغيض وهو ما يشهده العالم بأسره في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن. فكيف والحال هكذا كما قال ذات يوم الأمير محمد بن سلمان، «أن نتعامل مع مثل هذا النظام».
إذا كان الإيرانيون صادقين بالفعل في إقامة علاقاتٍ ثنائيةٍ مشتركةٍ وتقارب مع السعودية فهم يدركون أن طريقَ ذلك هو مطارُ الرياضِ والبعد عن السلوكيات والأفعال التوسعية والقدوم برغبة صادقة تحترم الحق العربي والمكانة الإسلامية الرفيعة لبلد الحرمين، أما غير ذلك فليس سوى تهويشٍ وسعي للابتزاز مكشوفة بواعثها ولن تجدَ سوى الصدِ والنفي كما في بيان وكالة الأنباء السعودية.