إدانة مجلس الوزراء لما يتعرض له مسلمو الروهينجا على أيدي القوات الحكومية في ميانمار (بورما سابقا) في جلسته الأخيرة بوصف ذلك في بيانه بـ»مجازر إرهابية واعتداءات وحشية وإبادة جماعية وتدمير ممنهج ومنظم لكثير من القرى والمنازل مما يمثل صورة من أسوأ صور الإرهاب وحشية ودموية ضد الأقلية المسلمة». وتكرار المجلس دعوته للمجتمع الدولي بالتحرك الفاعل لإنقاذ بشر الروهينجا في قوله: «جدد المجلس دعوات المملكة للمجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف أعمال العنف والعمل على وقف تلك الممارسات وإعطاء الأقلية المسلمة في ميانمار حقوقها دون تمييز أو تصنيف عرقي». هذه الإدانة والدعوة نابعها حرص المملكة العربية السعودية على أقلية مسلمة عانت من اضطهاد وحرمان لأبسط حقوقها منذ زمن طويل، وقد استضافت المملكة على أرضها قرابة المليون نسمة من الروهينجا (البورماويون) ومنحتهم إقامات دائمة.
المجتمع الدولي لم يلتفت لهذه المشكلة الإنسانية كما يجب، بل مواقفه متخمة بالتخاذل، وعندما بدأت الأضواء الإعلامية تكشف بعضا من معاناة الروهينجا تحرَّك عدد قليل من الدول وقادتها والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام ولكن باستحياء، وليس بنفس حجم المأساة ومعاناة الروهينجا.
منظمة العفو الدولية اعتبرت أن أونغ سان سوتشي رئيسة وزراء ميانمار «تمارس سياسة النعامة تجاه التطهير العرقي والفظائع التي ترتكب في ولاية راخين ضد الأقلية المسلمة الروهينجا». في وقت انتقد فيه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون موقف أونغ سان وصف ما تقوم به قوات حكومتها ضد مسلمي الروهينجا «بأن ما يحدث مأساة وانتهاك واضح لحقوق الإنسان».
أونع سان سوتشي ذاتها ولحجم الانتقادات الموجهة لها شخصيا كونها حاملة جائزة نوبل للسلام لعام 1991م، وكانت قد حظيت بمساندة دولية هائلة إبان كفاحها ضد ممارسات الحكومة العسكرية التي كانت تحكم وتسيطر على بورما (ميانمار حاليا)، كان موقفها متخاذل جدا منذ بدء الأزمة الأخيرة، ففي خطابها أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة المنعقد حاليا أبدت استعداد حكومتها لتنظيم عودة الروهينجا دون تفاصيل أكثر على إعطائهم حقوقهم ومنها نيل المواطنة، فمن المعروف أن حكومة ميانمار ومنذ أن كان مسماها بورما وهي ترفض الاعتراف بنيل الروهينجا المواطنة، مثلهم مثل البوذيين من سكان ميانمار، بحجة أنهم ليسوا من أهل البلاد، وأنهم لاجئون قدموا إلى بورما من بنجلاديش، وهو ما وضح بكل جلاء في قول أونغ سان: «نحن مستعدون لأن نبدأ التحقيق في هويات اللاجئين بهدف تنظيم عودتهم، وأن ميانمار ستستقبل من تعتبرهم لاجئين من دون مشكلة».
باعتراف الأمم المتحدة أن عدد من لجأوا إلى بنجلاديش من مسلمي الروهينجا هربا من جحيم ميانمار أكثر من أربعمائة ألف نسمة (400) ألف، وأنهم عانوا أهوالا ومآسي يندى لها الجبين، وأن ما تقوم به حكومة اونغ سان ضد مسلمي الروهينجا: «يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية».
المأساة تدخل شهرها الثالث ولا شيء يلوح في الأفق بقرب انتهائها، بل هي جزء من سلسلة إرهاب تمارسه حكومة ميانمار ضد الروهينجا منذ زمن، ولن يوقف ذلك انتقادات لفظية أو أوصاف ومصطلحات لغوية كما هو حادث الآن، فلابد وأن يقوم المجتمع الدولي، كما دعت المملكة، إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد حكومة ميانمار بما يوقف عنفها ضد الروهينجا، وبضمان حقوقهم الإنسانية وفي مقدمتها حق المواطنة دون تفريق، لا عرقي ولا ديني، وسبق للأمم المتحدة والدول الكبرى أن قامت بهكذا أفعال في دول عدة، منها جنوب السودان وتيمور الشرقية وغيرها، إلا إن كانت رؤيتهم تُفرِّق بين أقلية مسلمة وغير مسلمة، وأن ما تستحقه الأولى ليس بذات الأهمية للثانية، كما هو حادث مع مسلمي الروهينجا!؟.