ويرصد الخبراء والتربويون العديد من السلبيات التي يسببها هذا النوع من التعليم، وتؤثر بالتالي على مخرجاته وعلى النمط السلوكي والتربوي للطلاب، فيما تبرر وزارة التعليم لجوءها إلى التعليم المسائي لعدد من طلابها، خاصة في منطقة مكة المكرمة، بإزالة بعض المباني المدرسية بسبب المشروعات التطويرية، وندرة المباني المستأجرة، وكثافة الطلاب بالمدارس الصباحية.
«المدينة» طرحت قضية المدارس المسائية للنقاش بين عدد من الخبراء والمختصين، الذين عددوا مسالبها، واقترحوا لها بعض الحلول، وذلك من خلال الموضوع التالي.
خبير تربوي: يضعف التحصيل ويغير النمط الاجتماعي
يقول البروفيسور محمود بن محمد كسناوي، عميد كلية التربية بجامعة أم القرى سابقًا، إن الدراسة كما هو معروف ومألوف عالميًا تكون في الفترة الصباحية ولكن توجد بعض الظروف، التي تعتبر مؤقتة تؤدي إلى تحويل بعض المدارس إلى الفترة المسائية، وإذا كان هذا الحال مؤقتًا فلابد من تقدير الظروف، لكن إذا استمر الوضع لفترة طويلة سيفضي إلى سلبيات أكثر من الإيجابيات من أبرزها تغير نمط المجتمع، بالإضافة إلى الإجهاد الذي سيعاني منها الطلاب والمعلمون، وهذا سينعكس سلبًا على تحصيلهم العلمي أو أداء المعلمين الوظيفين ما سيؤثر على نفسيات الطلاب على المدى البعيد ما سيؤدي إلى تغيب العديد منهم، وتحويلهم إلى الفترة المسائية هو مزعج للطرفين، سواء الطالب أو المعلم. وأضاف كسناوي إن الدراسة في الفترة المسائية تؤثر على التحصيل التعليمي والاقتصادي والاجتماعي، ولابد من التوسع عبر خطط استراتيجية في بناء المدارس وتحديد الاحتياجات والفترة الزمنية لإحلالها مكان المدارس المسائية، بالإضافة إلى استئجار بعض المباني الكبيرة كمرحلة مؤقتة يتم خلالها نقل الطلاب، الذي يدرسون في الفترة المسائية إليها حتى وإن كانت العملية مكلفة، لكنها على الأقل ستحل مشكلة لحين الانتهاء من بناء المدارس البديلة، ولكن لصالح العملية التعليمية والتربوية لابد من عمل حلول مؤقتة.
أولياء أمور: مطالبات بإعادة الطلاب إلى الفترة الصباحية
قال عوض محمد الشهري: إن التوسع في المدارس المسائية للبنين والبنات قرار غير سليم ولا يخدم العملية التربوية، والطالب الذي يدرس في المدارس المسائية يقضي الفترة الصباحية مثل اليتيم وحيدًا لا يجد أحدا يشاركه نشاط يومه، والناس في أعمالهم وهو قابع في المنزل وعندما يعود الناس من أعمالهم والطلاب من مدارسهم يتوجه هو للمدرسة مرهق متعب، ولذلك نطالب تعليم مكة بتوحيد وقت الدراسة والفترة المسائية لكبار السن والموظفين الذين يريدون مواصلة الدراسة.
فيما قال ناجي المولد: لاشك أن المدارس الصباحية هي الأفضل والأكثر إنتاجية وفائدة للطلاب والطالبات، ونحن نرى الطلاب، الذين يدرسون في الفترة المسائية أقل حماسًا ونشاطًا، مبينا أن توجه إدارة تعليم مكة بالتوسع في المدارس المسائية لايخدم العملية التربوية ونتمنى إعادة النظر في هذا الأمر.
وقال المواطن على جمال: إن التجربة أثبتت عدم جدوى المدراس المسائية للطلاب الصغار في المرحلة الابتدائية والمتوسطة وحتى الثانوية، حيث تعود الناشئة على الكسل وعدم الجدية، وقد عانى خلال السنوات الماضية عدد من أولياء الأمور، الذين حولوا أبناءهم وبناتهم للمدارس المسائية، فهذا الأمر سبب معاناة نفسية للعديد من طلاب وطالبات المدراس المسائية، وطالب تعليم مكة بتشكيل لجنة لبحث أسباب هذه المشكلة وحلها سريعًا، وإعادة جميع الطلاب والطالبات للمدراس الصباحية.
أكاديمي: غير مناسب ويفتقد لمعايير الجودة
قال الدكتور سامي بن عبدالعزيز الخياط، عضو هيئة التدريس بجامعة جدة، إن العملية التعليمية لها أركان ومتعلقات لكي تنجح وتثمر، ناهيك عن أن العالم كله متجه نحو الجودة التعليمية، ومثل هذا لا يخفى على المشتغلين في الحقل التربوي والتعليمي وموضوع الدراسة المسائية ودمج عدد من المدارس والطلاب يحتاج إلى تأمل ودراسة من قبل إدارة التعليم، وقد تكون الإدارة مضطرة له، لكن الدمج وتكدس أعداد كبيرة من الطلاب في الفصل الواحد غير مناسب ويفتقد لمعايير الجودة التعليمية.
تعليم مكة: 5 أسباب تضطرنا للدراسة المسائية
من جانبها دفعت إدارة تعليم منطقة مكة بخمسة أسباب وراء لجوئها للمدارس المسائية، حيث أوضح الناطق الإعلامي لإدارة تعليم منطقة مكة المكرمة طلال بن سلمي الردادي أن لجوء الإدارة إلى المدارس المسائية يعود لأسباب عديدة تشمل إزالة المباني بسبب المشروعات التطويرية، وندرة المباني المستأجرة، والمطالبة بالإخلاء من الملاك والمطالبة بالإخلاء من الجهات الرسمية، كما تهدف المدارس لمعالجة مشكلات الكثافة في المباني الحكومية. وأضاف أن الإدارة هذا العام افتتحت مكتب تعليم مسائي للإشراف التربوي على هذه المدارس لتأدية رسالتها على أكمل وجه.
خبير نفسي: لا تحقق إشباعا تعليميا وتربويا للطلاب
يرى الدكتور عبدالمنان ملا بار أستاذ الإرشاد النفسي للدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا أن مدارس الفترة المسائية غير مجدية خصوصا لطلاب المرحلة الابتدائية التي تبنى عليها المراحل التي تليها، حيث إن هذه المرحلة الجوهرية لابد أن يأخذ الطالب كفايته من وقت الحصص والنشاط اللاصفي، حيث تعتبر مرحلة لبناء شخصية الطالب، ولأن المدارس المسائية لا تحقق للطالب إشباعا تعليميا وتربويا، وأصبحت الدراسة عملا روتينيا يعتمد فقط على مجرد الحضور للمدرسة في الفترة المسائية بحصص مضغوطة سريعة، وبالتالي لا تحقق المفهوم التربوي التعليمي، حيث ثبت أن هناك فرقا كبيرا من حيث المفهوم التربوي والتعليمي بين طلاب المدارس المسائية والصباحية.
تربوي: المشكلة محصورة في مكة
أوضح حمدان بن محمد الجهني رئيس قسم العلوم الإدارية والإنسانية بإدارة الإشراف التربوي بتعليم مكة والمشرف على التعليم الليلي سابقًا أن مشكلة المدارس المسائية محصورة في مكة المكرمة وجدة والوزارة لا تهدف لجعل المدارس مسائية، وسبب وجودها هو لحل أزمة قائمة نظرًا لإزالة العديد من المباني لصالح مشروعات تطويرية وتنموية، التي اضطرت معها الإدارة إلى تحويل بعضها إلى مسائي.
وأشار إلى أنه يمكن لإدارة التعليم بمكة عمل العديد من الحلول منها على سبيل المثال عدم نقل مدرسة كاملة في مبنى مستأجر لأن ذلك سيؤدي إلى التكدس ويمكن تقسيم الطلاب على مبنيين مختلفين لتخفيف التكدس الحاصل الآن في مدارس مكة، مبينًا بأن البيئة التعليمة بالوضع الحالي تحتاج إلى مراجعة، وهذا لا يمنع المعلم من أن يتأقلم مع الإمكانات الحالية لأن الطلاب ليس لهم ذنب في هذا الوضع، والمعلم يجب أن تكون لديه القدرة على العمل وفق الإمكانات الموجودة حتى حل الوضع الحالي سواء بشراء الأراضي وبناء المدارس أو تقسيم الطلاب في أكثر من مبنى مستأجر.
معلمون: ضار بالتعليم والطلاب ومعاناة للأسر
أجمع معلمون وتربويون أن الطلاب والطالبات، الذين يدرسون في الفترة المسائية، يقل تحصيلهم عن زملائهم، الذين يدرسون في المدارس الصباحية، مضيفين أن وجود 95 مدرسة مسائية للبنين والبنات في مكة المكرمة يشير إلى وجود خلل في التوازن بين الدوامين الصباحي والمسائي، وانتقدوا توجه إدارة تعليم مكة نحو التوسع في المدارس المسائية بدلًا من توفير المزيد من المباني لاستيعاب الطلاب في الفترة الصباحية وتوفير بيئة تعليمية ملائمة للجميع.
فيشير إبراهيم الغامدي وكيل ابتدائية أبي أيوب الأنصاري إلى أن مشكلة المدارس المسائية لا تنحصر على المعلم والطالب فقط، بل إن معاناة الأسر التي لها أبناء في المدارس الصباحية والمسائية معا في تنظيم وقت النوم والدراسة الوجبات, فضلا عن اختلاف الساعة البيولوجية، حيث يصبح السهر ملازما للطالب لعدم وجود ارتباط صباحي بالمدرسة، وهذا ما نلاحظه على طلاب المدارس المسائية من سهر يؤثر بالتالي على تحصيله العلمي. بالإضافة إلى معاناة الأسر بخصوص المواصلات المدرسية وعدم توفر سائقين وانشغال رب الأسرة في الدوامات.
فيما أشارت القائدة المدرسية فوزية الشمراني إلى أن من أهم مشكلات المدارس المسائية هي اختلاف الزمن المخصص لتعليم الطالب بدلا من الصباح والعقل يكون في أوج نشاطه بخلاف المساء, إضافة إلى اختلاف جدول الاسرة بالكامل مما يسبب ضررا على الطالب وقلة التركيز لأن الحصص بالتالي تكون مضغوطة بوقت أقل وبالتالي ضغط للجدول الدراسي ككل علاوة على ذلك حرمان الطالب من حصص النشاط والترويح عن النفس.
عزلة اجتماعية
ويقول المعلم ماجد المولد: انه من خلال خبرتي كمعلم في الفترة المسائية للمرحلة المتوسطة فإن هناك فرق شاسع بين مستوى الطالب في الفترة المسائية والصباحية، فطالب المرحلة الصباحية يتلقى العلم بنفسية أفضل بكثير من طالب الفترة المسائية.
وأشار المولد إلى أنه من خلال إجابات بعض الطلاب عند سؤالهم عن سبب تأخرهم الدراسي, فكان السبب الرئيس يعود إلى العزلة الاجتماعية التي يفرضها عليهم وضعهم في التعليم المسائي, حيث إنهم يحرمون من قضاء الوقت مع أسرهم، ففي الوقت الذي يخرج فيه أغلب أفراد الأسرة للعمل يكون الطالب وحيدا في المنزل وحين يعودون يذهب هو إلى المدرسة ويعود في المساء للاستذكار وحل الواجبات المدرسية، مما يؤثر سلبا على سلوكه واستيعابه بشكل كبير.
وأوضحت المعلمة حنان مبارك أنه من وجهة نظري أن المدارس المسائية تفتقر تماما لمعنى البيئه التعليمية السليمة فالوضع الطبيعي في جميع أنحاء العالم أن الطالب يتلقى التعليم صباحا خاصة طلاب المدارس في جميع المراحل فهم في مرحلة نمو تام من الناحية الجسدية والنفسية، وبذلك فإن الطالب سيتغير نظام نومه حتما لعدم وجود ارتباط صباحي بالمدرسة.
من ناحيه أخرى فإن هناك ضغطا على المعلمة أيضا كونها أم وتحتاج العودة إلى منزلها مع أبنائها والقيام بأعمالها المنزلية وترتيب وقت لأبنهائها، وذلك يحرمها تماما القيام بحقها كوالدة فضلا عن أنها معلمة.
توجه خاطئ
انتقد سامي نمنقاني مدير مدرسة سعيد بن زيد الابتدائية بمكة سابقًا توجه إدارة تعليم منطقة مكة لافتتاح المدارس المسائية، مشيرًا إلى أنه توجه خاطئ ولا يخدم مصلحة التعليم، وقال: خدمت في التعليم 35 عاما ومن خلال تجربتي أقول إن على الوزارة حل مشكلة تكدس الطلاب في الفصول الدراسية وإلغاء المدراس المسائية لأن هذا لا يتفق إطلاقًا مع الرغبة في تطوير التعليم، وأضاف: الطالب والمعلم في المدارس المسائية يأتون مرهقين خلاف الاستيقاظ الصباحي، الذي يجعل الجميع علي يقظة تامة واستيعاب للدرس وفهم.
وقال: على المسؤولين مناقشة كيفية الخروج من واقع التعليم الحالي والعمل على تطويره من خلال توفير البيئة المناسبة، لأننا في حاجة لوضع آلية التطوير وليس الوقوف مكتوفي الأيدي أمام بعض الأخطاء، التي تقع ولاتعود بالفائدة على التعليم.
قال خالد بن محمد الحسيني مدير مدرسة الملك خالد الابتدائية بمكة بأنه كانت له تجربة في إدارة مدرسة مسائية لعدم صلاحية المبنى في الفترة الصباحية اضطررنا للتحول للدراسة بعد الساعة الواحدة ظهرًا وحتى آذان المغرب، ورغم أن الفترة لم تتجاوز 7 أشهر إلا أنني لست مع الدراسة المسائية، وذلك لأسباب منها عدم كفاية الوقت للحصص إلى جانب الإرهاق، الذي يبدو على المعلم بتغير نمطه السلوكي.
حلول مقترحة:
التوسع في بناء المدارس
استئجار مبان كبيرة
5 أسباب لافتتاح المدارس المسائية
إزالة المباني بسبب مشروعات التطوير
ندرة المباني المستأجرة
المطالبة بالإخلاء من الملاك
المطالبة بالإخلاء من الجهات الرسمية
كثافة الطلاب في المباني الحكومية
سلبيات الدراسة المسائية
- تغيير نمط المجتمع
- إرهاق الطلاب والمعلمين
- ضعف تحصيل الطلاب
- انخفاض مستوى أداء المعلمين
- زيادة معدلات التغيب
- الضغوط النفسية على الطالب بسبب الاختلاف عن الآخرين
- عدم القدرة على الاستيعاب
- فقدان التركيز والانتباه
- انخفاض مستوى التحصيل
- زيادة حالات الغياب
- العزلة الاجتماعية عن الأسرة
- مخاطر تربوية بسبب التواجد وحيدًا في المنزل صباحًا
- ضغط الحصص وإلغاء الراحة وتقليص الأنشطة الرياضية
- صعوبة تنظيم الحياة الأسرية لـ»المعلمين والمعلمات»
- تضارب مواعيد المدارس لبعض أولياء الأمور «صباحًا ومساءً»