القرار الملكي الأخير بمساواة المرأة بالرجل في نظام المرور والسماح لها بقيادة السيارة ينهي مرحلة من حياة هذه البلاد ويدخلها في مرحلة أخرى يكون للمرأة فيه دور أكبر، كشريك للرجل، في صناعة المستقبل، وخطوة أخرى لتمكين المرأة السعودية من حقوقها الشرعية كأم وأخت وزوجة وابنة بعد أن ظلمتها التقاليد والعادات لفترة ليست بالقصيرة. وحاول البعض إلباس ذلك الظلم بالدين، بينما الدين لا علاقة له بهذا الظلم للمرأة.
خلوة السائق الأجنبي بالمرأة في السيارة، كسائق، يمكن لها أن تنتهي الآن، وتولي المرأة أمر أسرتها في ذهاب أطفالها للمدارس أو زيارة الأقرباء والأصدقاء وسيقلص الحاجة إلى سائق في البيت إلا لمن كانت له حاجة لذلك. وسيؤدي في نفس الوقت إلى تمكين ربة البيت من أطفالها وحركاتهم وزياراتهم.. إذ إنها ستجد نفسها توصل أولادها وبناتها إلى حيث يذهبون وستجد بذلك وقتًا للمشاركة في بعض أنشطتهم ومعرفة الأماكن التي يذهبون إليها، والأشخاص الذين يلتقون بهم.
الاهتمام العالمي بحدث السماح للمرأة السعودية بالسواقة كان بعضه سلبيًا ومعظمه إيجابي، وكان بارزًا وقوف ممثل المملكة في الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، أمام ممثلي الدول ليعلن لهم صدور الأمر الملكي بالسماح للمرأة بسواقة السيارة، ودخول المرأة السعودية مرحلة جديدة من المشاركة في بناء مجتمعها.. ومن المتوقع أن تلي هذا القرار الجيد قرارات وأنظمة أخرى تمكن المجتمع من الاستفادة من قدرات المرأة السعودية في بنائه وتطويره. فالاهتمام الذي أبداه المجتمع الدولي لصدور الأمر الملكي بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة يعكس الأهمية التي يوليها المجتمع الدولي للمملكة العربية السعوديه كأحد الأعمدة الاقتصادية والسياسية في العالم، وما يعنيه ذلك من الحاجة لأن يكون هذا العمود الهام والحيوي في حال صحية سليمة وقادرًا على أداء الدور المتوقع من دولة هامة مثل المملكة.
عندما تكثر القيود يتوقف الفكر عن الإبداع، والعكس صحيح. وأتوقع أن تحطيم الحاجز النفسي للمرأة بعدم قدرتها على المشاركة الفعالة في بناء مجتمعها سيفيد عملية البناء والتطوير بشكل كبير. فالمرأة هي الحاضنة للرجل والبنت كأم وأخت وزوجة وسوف يؤثر إبداعها، بأي شكل كان، في من تحتضنهم وتربيهم حتى وإن اعتقد جاهل أن حسبة قام بها في إحدى خطبه المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي تدل على أن المرأة هي بربع عقل.
خلال فترة لن تطول سيصبح قرار السماح للمرأة بالسواقه مجرد ذكرى، مثلما هو الحال عن السيارة والتلفون والتلفزيون ومدارس البنات التي ارتبطت في ذهن المعارضين لها حينها أما بالجن أو بنظرتهم الجنسية الضيقة للمرأة، وجميعها من تقاليد البعض وتأثير الجهل وعدم المعرفة نظرًا لمحدودية مناهج التعليم حينها وانغلاق المجتمع عن معرفة ما يجري حوله في العالم. إلا أن تطور التعليم والانفتاح على العالم أدى الى وعي مجتمعي يطلب الخروج من بوتقة التخلف والانفتاح على متطلبات التطور والنمو. وهي دعوة لا تتعلق، كما قد يصورها البعض، بالتخلي عن الدين وتعاليمه، لأنها ليست سوى دعوة للتخلي عن تقاليد تم إلباسها لباسًا دينيًا لتقديسها.
نحن على أبواب تطور كبير يشارك فيه الرجل والمرأة، إذ إن تطور المجتمع، اقتصادًا وتربية، لا يتم إلا بمشاركة الجنسين. وأمام المملكة دور كبير للتنمية في الداخل والمشاركة الفعَّالة في إعادة بناء الأقليم بشكل يحقق استقرارًا ونموًا طويلين والقيام بدور فعَّال في البنية الدولية الجديدة. وكل ذلك سيتطلب قوة بشرية سعودية واعية تتكون من ذكور وإناث. وعلينا الترحيب بكل الخطوات الإيجابية المتوقعة.