اختتمت يوم أمس الأحد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لجمهورية روسيا الاتحادية بعد أيام حافلة باللقاءات والمناسبات وتوقيع اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم في مجالات عدة. الزيارة وصفها محللون محليون وأجانب بالتاريخية وهي كذلك كونها أول زيارة لملك سعودي لموسكو ، إضافة إلى ما حفلت به من اتفاقيات ومذكرات تفاهم تفتح أبواباً واسعة لتعاون ثنائي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية روسيا الاتحادية.
في الكلمة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في جامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية بمناسبة تسلُّمه شهادة الدكتوراة الفخرية دعا حفظه الله إلى : (مد جسور التواصل والتعاون بما يخدم الشعبين وشعوب العالم أجمع). وهي دعوة نحن هنا في المملكة معنيون بها قبل غيرنا في استثمارها لإقامة تعاون مثمر وتواصل دائم مع مجتمع بحجم المجتمع الروسي كما مع غيره من شعوب الأرض كما أشار خادم الحرمين الشريفين.
جمهورية روسيا الاتحادية هي في موقع الظل من اهتمامات مجتمعنا السعودي وبالتالي تخفى علينا منها جوانب كثيرة جداً، فكل معرفتنا سواء عن روسيا الحالية أو سلفها الاتحاد السوفيتي معرفة سياسية بحتة وتصنيفهم في خانة غير الأصدقاء. بينما الواقع والتاريخ هما بغير ذلك كلية. فجمهورية روسيا الاتحادية الحالية مكونة من جمهوريات عدة منها جمهوريات سكانها مسلمون بالكامل مثل الشيشان وتترستان وأنغوشيا، وهؤلاء وعبر التاريخ كانوا يفدون إلى الأراضي المقدسة لتأدية فريضة الحج وأداء العمرة وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى أن أحدهم وهو الضابط عبدالعزيز دولشتين كتب كتاباً نُشر قبل سنوات تحت عنوان: «الحج قبل مائة عام»، كان عبارة عن تقرير كامل كُلِّف به من قبل قيصر روسيا في القرن التاسع عشر الميلادي عن أوضاع الحج ورعايا روسيا من الحجاج المسلمين.
الزيارة الملكية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفلت بعشرات القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية وقد نالت اهتمامها الكامل من وسائل الإعلام والدوائر المعنية بتلك القضايا ،غير أن الجانب الثقافي وقد كان جزءاً أساسياً في الزيارة لم ينل حظَّه الكافي من التغطية الإعلامية ولا من التفاعل المجتمعي داخل المملكة. فروسيا بلد زاخر بثقافة متنوعة فوق الوصف سواء في امتدادها التاريخي أو في حضورها الراهن. فالجامعات والأكاديميات الروسية ثرية جداً بعلمائها وباحثيها ومراكزها البحثية وإسهاماتها، ومع ذلك فالتعاون والتبادل الثقافي بين جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية معها محدود جداً بل وحسب معرفتي نادر. وإسهامات العلماء الروس في الدراسات الإسلامية والعربية ضخمة جداً تعادل إن لم تتفوَّق على إسهامات المستشرقين، ولكون روسيا شرقية الجغرافيا والثقافة يُطلق على هؤلاء العلماء «المستعربون» ،وقائمتهم طويلة لمن يعرف ذلك. الفنون بكل أشكالها تزخر بها روسيا وتتفوق في كثير منها على دول غربية كبرى ،ويكفي أن نعرف أن أكبر متحف عالمي موجود في روسيا وتحديداً في مدينة سان بطرسبورج وهو متحف ( أرميتاج) الذي يضم لوحات وتحفاً نادرة جداً.
دعوة وجهها خادم الحرمين الشريفين حريٌّ بمؤسساتنا الأكاديمية والثقافية استثمارها والبدء في فتح مجالات تعاون وتواصل مع المؤسسات والأكاديميات الروسية ،وفي ذلك إثراء معرفي كبير لمجتمعنا وفتح لآفاق أوسع في مجال العلم والمعرفة.