بَعض الثَّقَافَات تُصدِّر أَمثَالاً تُضرب فِي كُلِّ الأحوَال، وهَذه الأمثَال –
مَع الأَسَف- تَجعَل الإنسَان يَهرب مِن مُحَاسبةِ نَفسه، وتَجعله يَستَدعي المَثَل الذي يُنَاسب حَالته، ليَتمترَس خَلفه؛ لذَلك بَدلاً مِن أَنْ نَقول: «لكُلِّ مَقَامٍ مَقَال»، دَعونَا نَقول: «لكُلِّ حَالٍ مِثَال».
أَعلَم أَنَّ هَذا الكَلَام؛ يَحتَاج إلَى تَبسيط؛ لأنَّ العَهْد الذي بَيني وبَينكم، هو هَذه الكَلِمَات والحرُوف، وقَد لَا أُحسن استخدَامهَا، أَو لَا تُحسنون استيعَابهَا، لذَلك دَعونَا نَستَعين ونَحتَمي بالمِثَال:
«سِين» مِن النَّاس «مَعزُوم» عَلَى وَليمَة، وقَد جَاء مُبكِّراً، وكَان سَبَّاقاً فِي الحضُور، وعِندَمَا وَجَد المَجلس خَاليًا، إلَّا مِن صَاحِب الدَّار، خَجل مِن نَفسه، واحتَمَى بالمَثَل القَائِل: «مَن تَقدَّم مَا تَندَّم»، بَينمَا «صَاد» مِن النَّاس، جَاء إلَى الوليمة فِي مُنتصفهَا، وأَرَاد أَنْ يَحمي نَفسه ويَتدرَّع بالأمثَال فقَال: «خَيرُ الأمُور الوَسَط»، بَينمَا «جِيم» مِن النَّاس –
و»جِيم» هُنَا قَد تَعني: «جميل أَو جمال، أَو جرير أَو جاسم- جَاء مُتأخِّراً جِدًّا، واكتَشَف أَنَّه ارتكَبَ حَمَاقَة فِي تَأخُّرهِ، لِذَلك لَم يَرغب أَنْ يَعتَرف بخَطئهِ، فاتّصل بإسعَاف الأَمثَال، ليَحمي نَفسه، ويُبرِّر تَأخُّره قَائلاً: «يَا قَوم تَقول العَرَب لَئِن تَأتِي مُتأخِّراً، خَيرٌ مِن أَنْ لَا تَأتي أَبدًا»!
بَعد كُلّ هَذا أَقول: إنَّ صَيدلية الأمثَال مِثل صَيدلية الدَّوَاء والأمصَال، مَفتُوحَة 24 سَاعَة كَمَا تُلاحِظُون، وهي جَاهِزة لتَبرير كَسل الكَسلَانين، وعَطَالة العَطلانين، وإهمَال المُهمِلين، واستغلَال الاستغلَاليّين، وتَبرير التَّبريريّين، وتَقَاعُس المُتقَاعسين، وتَشَاؤم المُتشَائِمين، وتَخوُّف المُتخوِّفين!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّ الإنسَان يَتخوَّف مِن الاعترَاف بخَطئهِ، وتَحمُّل مَسؤوليَّة إخفَاقهِ، أَو ضَعفه، أَو تَردُّده، لِذَلك هو يَحمي نَفسه بالأَدلَّة والشَّواهِد، والأَمثَال والقَصَائِد، التي يَجعلها فِي مُواجهة النَّاس، حِين يَختَبئ خَلفهَا..!!