مِن الوَاضِح أنَّنا بحَاجةٍ إلَى تَقنين وضَبط عَلَاقَاتنَا الاجتمَاعيَّة، وبخَاصَّة فِيمَا يَعني بـ»الجَمَايل»، أو فِعل المَعروف، فـ»الجميلَة» لمَن لَا يَعرفها، هي فِعل مَعروف لشَخصٍ؛ يَكون وَاجِب الرَّد فِيمَا بَعد، حَتَّى قَالُوا: «هَذه الجميلَة هِي رَدٌّ لجميلَتك السَّابِقَة»!
الغَرب –
بكُلِّ أَطيَافه- حَسَمَ أَمر «الجَمَايَل»، وجَعَل الأمُور وَاضِحَة بَين «العَازِم» و»المَعزُوم»، فإذَا دَخلتَ مَطعمًا مَع أَصدقَائِكَ الإنجليز، لَن «يَتشطَّر» و»يَتمَرجل» أَحدُهم قَائِلًا: «عَليَّ الطَّلَاق أَنَا سأُحَاسِب».. لَن يَفعل أَحدٌ مِنهم ذَلك، بَل سيَتولَّى كُلُّ وَاحد دَفْع حِسَابه بنَفسه.
أَمَّا عِندَنَا، فالأمُور غَير وَاضِحَة، بَل هي مُلتَبِسَة، وأَحيَانًا تُسبِّب مَشَاكِل، وسأَشرَح لَكُم مَا أَعنِي بالمِثَال التَّالي:
يُحَاول أَحدُهم أَن «يَدعوك» إلَى وَجبَةٍ دَسِمَة، ثُمَّ تَعتَذر مَرَّة ومَرَّتين؛ لأنَّكَ لَستَ مِن المُرحِّبين بمِثل هَذه «الدعوات»، التي تُتعب «الداعي» و»المَدعوّ»، ثُمَّ يَلحُّ عَليك مَرَّة ثَالِثَة ورَابِعَة، وإذَا كَان عَلَى خِلَاف مَع زَوجتهِ، فاعلَم أَنَّك إنْ لَم تَستَجب لـ»دعوته»؛ فزَوجته «طَالِق»، وبَعد إلحَاحَاته، وخَوفك مِن التَّسبُّب فِي تَطليق زَوجته، وتَشتُّت أُسرَته، وتَشرُّد أَطفَاله، تُوافِق عَلَى «الدعوة»، وبَعد الانتهَاء مِن تَنَاول الطَّعَام، يَطلب مِنكَ المُسَاعَدَة فِي أَمرٍ لَا تَقدر عَليه، فإذَا اعتَذرتَ، بَدَأَ يَلومك فِي المَجَالِس، ويُخبر أَصدقَاءك بأنَّه لَا خَير فِيك، وأنَّ «الجَميل» لَا يُثمر مَعك..!
أَرأَيتُم كَيف تَفعل هَذه «الجَمَايل»؟.. إنَّها تُتعبكم مَرَّتين: مَرَّة فِي تَلبيتهَا، ومَرَّة فِي دَفع ثَمنهَا..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّني مِن هَذا المنبَر، أُطَالب بوَضع تَسعيرَة مُعتَمدة -مِن وزَارة التِّجَارَة- تُحدِّد ثَمن كُلّ «جميلَة»، حَتَّى نَستَطيع رَدَّها، أَو نَعتَذر عَن قبُولهَا، ولَا تَستَهينُوا بهَذا الأَمر لأنَّه صَغير؛ فمُعظم مَشَكلاتنا تَأتي مِن الأمُور الصَّغيرَة، أَمَّا المَصَائِب الكَبيرَة، فلَا تَحدُث إلَّا نَادِرًا.