إبراهيم خفاجي..
يكفي أن نذكر هذا الاسم لنتذكر معه روائع الأغنية السعودية وتاريخها منذ البدايات..
لم يكن إبراهيم خفاجي عاديًا..
أبدًا..
كان شخصية استثنائية بكل معاني الكلمة..
تاريخه حافل بعطاء إبداعي من النوع الذي لا -ولن- يتكرّر..
كتب الشعر بكل أصنافه وطُرقه..
عشق الموسيقى والنغم والطرب الأصيل..
كل ذلك اكتسبه من معاصرته لروّاد الفن في منطقة الحجاز قبل أكثر من ستين عامًا..
فلقد عاصر أساطين الطرب والنغم في ذلك الزمان..
ابتداء من حسن جاوا، سعيد أبو خشبة، الشريف بن شاهين، محمد الريّس، هاشم هاشم، محمد علي سندي، طارق عبدالحكيم، طلال مدّاح، عبدالله مرشدي، جميل محمود، عبدالله محمد، عمر كدرس، سراج عمر، غازي، سمير الوادي، محمد أمان.. وغيرهم من روّاد الفن السعودي الأصيل..
إبراهيم خفاجي..
ابن مكة المكرّمة..
وُلد بها عام 1345هـ (1926م)..
وُدفن بها.. في مقابر المعلاة بعد الصلاة عليه في المسجد الحرام بعد صلاة يوم جمعة..
تدرّج في حياته الدراسية والعملية بمراحل عديدة..
بدأ حياته التعليمية بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة..
التحق بمدرسة اللاسلكي وتخرج منها مأمورًا لاسلكيًا عام 1364هـ..
تنقل بين قرى ومدن المملكة إلى أن عاد مجددا إلى مكة المكرمة..
في عام 1373 هـ انتقل إلى قسم الاستماع بالإذاعة..
كما عمل في وزارة الصحة..
في عام 1972م التحق بمعهد الإدارة بالقاهرة وحصل على دبلوم في إدارة الأعمال والإدارة المالية فأصبح مديرًا للإدارة المالية بوزارة الزراعة لشئون المياه بالرياض..
عاد إلى مكة فأصبح المفتش المركزي لوزارة الزراعة والمياه بالمنطقة الغربية..
في عام 1389هـ أُحيل إلى التقاعد بناء على طلبه بعد خدمة تقارب الـ25 عامًا..
بعدها.. تفرّغ لإبداعه الشعري والفني..
غنّى من كلماته جميع المطربين والمطربات السعوديين..
ومن العرب: صباح، وديع الصافي، هيام يونس، سميرة توفيق، محمد قنديل، كارم محمود، إحسان صادق، شريفة فاضل، علي عبدالستار.. وغيرهم..
زامل عميد الفن السعودي طارق عبدالحكيم، وتعاونا في الكثير من الأعمال الخالدة، نذكر منها: «البعد والحرمان، «يا ناعس الجفن»، «آسرتي بالحسن»، «أشقر وشعره ذهب»، «لنا الله».. وغيرها..
ومن كلماته غنّى مؤسّس الأغنية السعودي طلال مداح: «مرّ بي»، «تصدّق ولا أحلف لك»، تعدّاني وما سلم»، كإنك منتى عارفني».. وغيرها..
عُرف عن الأستاذ الخفاجي معرفته التامة بأصول المقامات وطرق التلحين..
كما أسهم في اكتشاف مواهب فنية شابة..
فهو المكتشف الفعلي للفنان محمد عبده عندما أخذه وهو شاب صغير إلى العميد طارق عبدالحكيم وقدماه للساحة الفنية..
وفي أول ألبوم للفنان عبدالمجيد عبدالله قبل أكثر من 25 عامًا من ألحان الموسيقار سامي إحسان وعندما استمع الخفاجي لأغنيات الألبوم في القاهرة قال لسامي: الأعمال جميلة ولكن ليس بها عمل يعلق!.. وفي نفس اللحظة كتب الخفاجي كلمات الأغنية الشهيرة «سيد أهلي» ولحنها سامي وتم تسجيلها وغنّاها عبدالمجيد وكانت هي الأغنية التي حلّقت بالمبدع عبدالمجيد عبدالله في سماء النجومية..
هكذا هو الخفاجي..
صاحب نظرة.. ورؤية..
يعرف من أين يُؤكل «اللحن»..
وأما المرحلة التاريخية في حياته -كما قالها لي شخصيًا-..
كانت مرحلة كتابة النشيد الوطني السعودي..
قال لي: «تكليفي بكتابة النشيد الوطني أدخلني التاريخ»..
والفنان سراج عمر أجاد في تركيب الكلمات على لحن النشيد..
وللعلم كثيرون اعتذروا عن كتابة النشيد لصعوبة كتابته على لحن جاهز..
وأذكر أن الأمير عبدالله الفيصل والشاعر حسين سرحان قالا «إن أفضل من يستطيع كتابته هو إبراهيم خفاجي»..
نال الخفاجي ميدالية الاستحقاق من الدرجة الأولى مع البراءة الخاصة بها عام 1405هـ نظير كتابته للنشيد الوطني..
كرّمه مهرجان الجنادرية عام 1433هـ بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى تقديرًا لمشواره..
وكان قبل ذلك كتب الخفاجي أحد أوبريتات الجنادرية عام 1416هـ وهو أوبريت «عرايس المملكة»..
قبل سنوات سألت الأستاذ الخفاجي: «بعد هذه السن.. وهذه الخبرة.. والتجارب.. ماذا يقول إبراهيم خفاجي عن إبراهيم خفاجي؟».. فكان ردّه: «إبراهيم خفاجي يقول أولا ودائمًا أنه يشكر ويقدّر من يسأل عني وأشكرك أنت بالذات يا أخ سهيل.. فإبراهيم خفاجي ما هو إلا فرد من المجتمع الكبير قدّم بعض التحيات الجميلة في هذا العهد الزاهر»..
وقلت له: «ما هي أخبارك الحالية.. وأحوالك الصحية.. وكيف هو تواصلك مع زملائك من الفنانين والأصدقاء».. قال: «نحن قدّمنا وأعطينا كل ما لدينا نحو بلدنا ومجتمعنا، وأنا أشعر أنني ولله الحمد أدّيت الرسالة التي حملت مسؤوليتها، والآن يجب إعطاء الفرصة والمجال لغيرنا لكي يقدموا ما لديهم وبما يخدم بلادنا الحبيبة، وتسألني عن صحتي فأقول لك أنني أمس كنت أحسن من اليوم وهكذا والحمدلله على كل حال، وكثير من الأخوة الفنانين والشعراء والأصدقاء بيتصلوا عليّ هاتفيًا ويسألول عن وعن صحتي فلهم الشكر والتقدير»..
برحيل الشاعر العملاق إبراهيم خفاجي صباح يوم الجمعة 6 ربيع الأول 1439هـ/ 24 نوفمبر 2017م..
فقد الفن السعودي قامة كبيرة من القامات التي قدمت وأعطت الكثير والكثير والكثير..
بكل تألق.. وإبداع.. وتواضع..
وهذه هي صفات المبدعين الكبار..
رحم الله الأستاذ إبراهيم خفاجي..
رحم الله كل مبدعينا..