الذين يضفون على أي فئة من البشر هالة قداسة، باعتبارهم صالحين لا يخطئون، أو حكماء لا يضلون، أو عباقرة؛ عن الصواب لا يحيدون... أولئك حقًّا مفتونون بسطاء أو هم أصحاب مصلحة خبثاء.
ومن هؤلاء الفئات القضاة في كل أنحاء الدنيا، هذه الفئة هي أكثر الفئات التي يتوسم الناس فيها الخير، ولا يُرضى منهم إلاّ كلمة الحق، ولا تُقبل منهم الهفوة مهما صغرت باعتبارهم الأنموذج البشري الأقرب إلى الكمال، فهم مؤتمنون على قضايا الناس ومصالحهم وحرياتهم وحقوقهم، لكن من الحق أن نعترف أن القضاة أيضًا بشر يصيبون ويخطئون، ويحبون ويكرهون، ويجاهدون أهواءهم وشياطينهم كما يفعل بقية البشر مؤمنهم وكافرهم، وهم أحيانًا يخفقون في هذه المجاهدة وكثيرًا ما ينجحون.
والقضاة في بلادنا لهم تلك المكانة العالية من التقدير والاحترام والإكبار، لكن الاستثناء حاصل والهوى غلاّب والشيطان نشط ماكر.
وللقضاة في أرجاء العالم عادةً سلطات واسعة، فهم افتراضًا سلطة ثالثة مستقلة، بجانب السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل الأصل استجابة السلطة التنفيذية لكل ما يصدر من السلطة القضائية. ولأن ذلك كذلك، فقد تطورت أنظمة القضاء ودرجاته كي يتم سد كل ثغرة محتملة قدر المستطاع، ولتكون الأحكام القضائية أقرب إلى الحق والعدل والإنصاف.
ومع ذلك، فلا يسلم القضاء الرفيع من الأذى، إذ يُشوِّه بعض المنتسبين إليه صورته الناصعة؛ عبر ارتكاب مخالفات غير محمودة، ظنًّا من فاعلها أن عيون الرقيب نائمة (والله خير رقيب)، أو أن الضحايا لن يجهروا بما يحسبونه ظلمًا وجورًا.
فهناك قضايا أسرية يستغل فيها القاضي (الجاني) موقعه العالي ليُوقع بالضحايا (الإناث) غالبًا، عندما لا يجدون مخرجًا سهلًا لإجبار زوج «محب أو متعنت» على الطلاق، فيعرض خدماته رغبةً أو رهبةً؛ ليفوز بعلاقة آثمة يشبع بها شهوة أو نزوة، وربما لجأ إلى زواج مشروع بعد طلاق على غير موافقة الطليق ولا رغبته.
كم في الدنيا من نساء مطلقات ومخببات آثرن الصمت، كما آثر أزواجهن المرغمون الصمت مكرهين وحائرين.