Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

حصاد الأمم من ثمار غرس القِيَم!!

الحبر الأصفر

A A
مَا يَتلقّاه الطِّفل فِي طفُولته يَبقَى رَاسِخاً، ومِن الصَّعبِ إزَالته، فإذَا تَربَّى الإنسَان عَلَى الصِّدق والأَمَانَة، والنَّزَاهَة واحترَام الآخَرين، استَمرَّ عَلَى ذَلك، وإذَا نَشَأَ وتَربَّى عَلَى غَير ذَلك، كَان عَلَى غَير ذَلك، ومِن هُنَا قَال الشَّاعِر «أبو العلاء المَعرِّي»:

ويَنشَأ نَاشِئ الفتيَان مِنَّا

عَلَى مَا كَانَ عَوَّده أَبوه!

مِن القصَص الطَّريفَة التي يَذكرها شَيخنا «أبوالحسن الندوي»، أنَّه يَقول: (لَم أَنتَفع بشَيءٍ فِي حَيَاتي، مِثلمَا انتَفَعتُ بقصَص جدَّتي؛ التي كَانت تَرويها لِي عَن سِيرة الرَّسول - صَلَّى الله عَليه وسَلَّم - حِين كُنتُ بَين السَّابِعَة والعَاشِرة مِن عُمري)..!

إنَّ هَذه القصّة عَلى قصرهَا وبسَاطتهَا، تُلخِّص لَنَا نَظريّة غَرس المَبَادئ؛ أَثنَاء مَرحلة الطّفولَة، وهي التي تَبقَى مَع الإنسَان حَتَّى مَمَاته، وقَديمًا قَالت العَرَب: «العِلْم فِي الصِّغر كالنَّقش عَلَى الحَجَر»..!

إنَّ اللَّمسَات واللَّبنَات الأُولَى، هي التي تُؤثِّر فِي مَسَار أَي عَمَل، أَو عَلَاقَة أَو تَربية، مِن هُنَا تَبدو خطُورة وأَهميَّة التَّربية؛ فِي مَرحلة الطّفولَة، وأَكثَر دُول العَالَم، تَختَار أَفضَل المُعلِّمين والمُعلِّمَات، ليَقومُوا بتَدريس الطُّلَّاب فِي المَرحلتيْن التَّمهيديَّة والابتدَائيَّة، والسَّبَب فِي ذَلك، أَنَّهم يُدركون أَهميّة مَرحلة الغَرْس والتَّأسيس، واختلَافهَا عَن بَقيَّة المَرَاحِل..!

لقَد قَال الفَلَاسِفَة: إنَّ العَقل يَحتله الأَسبَق ولَيس الأَصوَب.. إنَّه مِثل مَنطقة مِنًى فِي المَشَاعر المُقدَّسَة، هي «لِمَن سَبَق»، لِذَلك إذَا زُرعتْ طقُوسٌ مُعيّنة، أَو شَعَائر مُحدَّدة فِي عَقليّة طِفل، فمِن الصَّعب إزَالتهَا؛ لأنَّ الطّفل لَا يَعرف الكَذب، وبالتَّالي هو يُصدِّق ويُؤمن بكُلِّ مَا يَسمَع، لاعتقَاده بأنَّ النَّاس يَفعَلون ويَقُولُون كُلّ شَيءٍ بحُسن نيَّة، وكُلٌّ يَرَى النَّاس بعين طَبعه..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: إنَّ البِدَايَات دَائِمًا مُهمّة فِي كُلِّ شَيء، حَتَّى فِي المَشَاعِر والحُبّ والأَحَاسيس، عَلى ذِمّة بَعض الشُّعرَاء، ومِنهم «أبوتمَّام»، حَيثُ يَقول:

نَقِّل فُؤَادَك حَيثُ شِئتَ مِن الهَوَى

مَا الحُبُّ إلَّا للحَبيبِ الأَوَّلِ!!

إِذَاً، حَتَّى فِي الحُبِّ، يَبدو أنَّ الحُبَّ الأوَّل هو الحُبّ الأَصلِي، ولَيس تَايوانيًّا كأنواع الحُبِّ اللَّاحِقَة..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store