الأسبوع الماضي نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» ذائعة الصيت مقالاً عنوانه المترجم هو: (هل تختار أمريكا حلم كينج أم كابوس ترامب؟)، والحلم هنا للسيد مارتن لوثر كينج زعيم الحركة السوداء ضد العنصرية البيضاء وصاحب الخطاب الشهير (لدي حلم).
وفي وسط المقدمة يقول الكاتب: (إن كثيراً منا يعيش في وهمٍ كبير عنوانه «أمريكا دولة تجاوزت العنصرية»، وأنها بوتقة جميلة ينصهر فيها المجتمع، وأن العنصرية هامشية وغير متكررة ولا يمارسها إلاّ قلة تسير عكس التيار وعكس أمريكا المنسجمة، إنها كذبة صارخة! يجب علينا مواجهة الحقيقة المرعبة، وأمريكا جبانة جداً عندما تواجه الحقائق المروعة عن نفسها).
هذه هي الإشكالية الكبرى التي يعيشها (الأمريكيون) شاءوا أم أبوا، منهم الذين يحملون رأي الكاتب، ومعظمهم من نخبة العقلاء الكبار إن كانوا من ذوي البشرة البيضاء، يُضاف إليهم ملايين الملونين والسود وذوي الأصول الآسيوية واللاتينية. ومنهم من يغط في سبات عميق لا يهمه أين اتجهت السفينة حتى لو رست في موانئ العنصرية المقيتة والتفرقة المهينة والتدمير المجتمعي، هؤلاء وإن كانوا غير عنصريين إلاّ أنهم سلبيون حتى النخاع، وهؤلاء يصفهم الكاتب بأنهم يعانون من حاجة ماسة تستحوذ على أفكارهم وترسخ في أذهانهم أنهم (بريئون).
ولئن كانت قمة السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة قد أطلقت تلك الكلمة العنصرية الجارحة ضد ذوي البشرة السمراء وضد سكان تاهيتي، فإنها لم تفعل ذلك من فراغ وجداني، وإنما استجابة لعقل باطن يمارس هذه الرذيلة الفكرية صباح مساء، ويؤمن بعمق صدقيتها وكمال صحتها.
وإذا كان ذلك كذلك، فإن علينا أن نربط الأحزمة جيداً، ونحن نتعامل مع عقليات من هذه النوعية الغريبة، وفي زمن تزعم الحضارة الغربية المعاصرة أنها تجاوزت فيه كل الشعارات المتخلفة والممارسات السيئة والعادات القبيحة المؤلمة فضلاً عن الإعلان عنها أمام الأضواء جلوساً على الكراسي المستعلية.
وأحسبُ أن التاريخ لا يعيد تلك الفترة الذهبية الراقية حين تساوى بلال الحبشي مع ابن الخطاب القرشي، وصهيب الرومي مع ابن الوليد القائد الحربي، وحين غدا سلمان الفارسي من آل البيت الكرام.
قارنوا بين الحضارتين واحكموا على الممارستين!!.