صادف يوم أمس صدور العدد 20 ألفا من هذه الصحيفة اليومية الغرّاء، وهي من أقدم الصحف السعودية إذ تأسست عام 1356هـ، أي قبل 82 سنة هجرية، وأكثر من 80 سنة ميلادية. ويبدو أنها لم تكن منتظمة يوميًا في بدايات عهدها، أو لم تكن تصدر طوال الأسبوع، فتحتجب مثلا في نهاية الأسبوع لأسباب ربما كان الاقتصاد أحدها.
على كل حال هو تاريخ عريق طويل بدأ مشواره السيِّدان الكريمان علي وعثمان حافظ (رحمهما الله) في فترة شحيحة الموارد بسيطة الأدوات، لكنها كانت غنية برجال الأدب والتراث وحملة الأقلام الصادقة القوية المؤثرة. كان تاريخًا زاهرًا للصحافة المطبوعة المقروءة، إذ لم يكن لها منافس أو منافسون كما هو حال اليوم. وكان القارئ عالمًا آخر، يُقدِّر الكلمة ويحتفي بالخبر، وربما قرأ قارئهم الصحيفة من عنوانها العريض في صفحتها الأولى حتى آخر سطر في صفحتها الأخيرة.
كان للصحيفة بريقها، وللرأي قرَّاؤه، موافقين ومعارضين، فلم يكن الرأي متاحًا لعامة الناس إلاّ عبر الصحافة المطبوعة. وحتى التلفزيون الذي دخل البلاد في الثمانينيات الهجرية، كان تقليديًّا متوافقًا مع ذلك الزمن، وكانت برامج الفتاوى في الراديو، والشيخ على الطنطاوي رحمه الله ميدان الرأي المقابل للصحافة، ولكن دونها بكثير.
عشرون ألف عدد تعني تاريخًا من العمل الصحفي الرصين والممارسة اليومية المرهقة والعطاء غير المحدود للمجتمع والوطن والتاريخ. وهي تعني كذلك آلاف الأطنان من الورق المستهلك، وملايين الليترات من الحبر الأسود وغير الأسود، وسلسلة طويلة من التجهيزات والمطابع وغيرها، كما تعني مئات الملايين من الريالات التي أُنفقت عبر 80 سنة في صحيفة واحدة، فضلاً عن شقيقاتها في الرياض والدمام ومكة المكرمة وغيرها.
واليوم تمر هذه المؤسسات الصحفية الراسخة بمتغيرات ومستجدات سيكون لها ما بعدها إن لم تُعالج اليوم قبل الغد، فالتبعات صعبة في أزمان الترشيد والتقليص وانصراف المُعْلِن إلى عَوالِم أخرى فرضتها متغيرات التقنية التي لم تخطر على بال أحد قبل عقد من الزمان فقط.
نتمنى أن تتجاوز مؤسساتنا الصحفية هذه المتغيرات الصعبة، لتستمر في تقديم دورها الوطني غير المحدود للوطن والمواطن.