.. كطفل صغير تفتقت عيناي على وجه جدي وصوت الريح والمطر.. وعشق السواقي والسنابل.. وذاك الجبل الذي كان يلم أبصارنا وأحلامنا ويستجمع أطراف ديرتنا..
(1)
.. شموخ الجبل علمنا أن الإنسان والمكان حكايتان يضمهما كف وجبين ويحضنهما وجد ملهوف.. إنها ذات العلاقة التي استكتبها (المجنون) في سفح (التوباد) كحالة عشق متفردة واستعاد رسمها (شوقي) كأغلى ما يكون الارتباط ما بين اللحظة الإنسانية وطهر التراب:
(قد يهون العمر إلا ساعة
وتهون الأرض إلا موضعًا)
(2)
.. شدا.. هو ذلك الجبل السامق في أحضان تهامة ومفردات القصائد.. وهو ذلك الشموخ الممتد في دواخلنا وأحاسيسنا.. فنحب ونرى ونقدر كل أشيائنا بحجم شدا..!!
(3)
.. وعندما يمنحك أحدهم عذق (كادي) ويبوح لك: أنت (كما شدا) فكأنها الاستقسام المغسول بالصدق والشفافية..!!
(4)
.. شموخ (شدا) ولد فينا حالة من الإبهار تقف عندها حدود عالمنا فما بين جدران بيوتنا وهامة شدا تكمن جهاتنا الأربع وحتى عندما قال شاعرنا ذات يوم (يالشيخ جار الله وش حدك على نجد الأقصى) ظنناه يتحدث عن عوالم أخرى..!!
(5)
.. وشموخ (شدا) ولد فينا حالة من الإكبار جعلت (الشدوى) أو (الشدويين) يمثلون حالة متفردة في قوتهم وصلابتهم وإرادتهم.
(6)
.. (الشدوى).. فجروا الصخور الصماء الشاهقة، أقاموا منازلهم ومزارعهم فوق هامات الجبل.. وبنوا في أدغال الكهوف مسارات للماء والظلال والحياة..!!
(7)
.. حياة صعبة، قاسية لكن (الشدوى) روضوها.. واستنبتوا منها اللبن والموز والخوخ.. إنها عزائم الكبار التي تماهي حكاية جبلهم.
(8)
.. شدا.. رمز الشعر والصلابة والشموخ والكبرياء عدت اليه ذات مساء وجدته يشكو غربة قاتلة.. هل غادرناه؟ أم هو غادر عروقنا؟!!
(9)
.. في رماد الوقت حضرت وجوه وألسنة تستوطن بقايانا وتعلمنا بأن صبر الزمن الجميل مر من هنا..!!
(10)
.. لازالت مسافات القياس في أحاسيسنا: (كما شدا)، ولازال شموخ شدا، ويومًا سيستدير الزمن وتعود الحياة من جديد.
(11)
.. عبدالواحد شاعر البوصلات السبع وحده من تجرأ على السموق أمام (شدا) وراح يستنطق التغريب والكبرياء المجروح:
(ياشدا مات قلبك؟
والا الجبال ما معها قلوب؟
ليت لك عين ترانا وسمع سامعنا
ما يكونك على كبرك
وعلياك ما أنت إلا جبل)..!!
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
