في ظل هذه الحرب العصماء على كل صور الفساد، لا مناص من الاستمرار في تأجيج نار هذه الحرب حتى القضاء على آخر معاقلها، وحتى نحول دون استشراء فيروساتها من جديد. طبعًا لا أحد يعلم إلاّ الله، ثم الراسخون في جمع البيانات عن حجم الفساد ومدى استشرائه! فمن المعلوم أن الفساد في أعلاه مبني على فساد في القواعد أدناه، وكل من ساهم في الفساد أصبح شريكًا شاء أم أبى، تمامًا كمن يُشارك في الخير حين يتبرع بريال لبناء مسجد يكلف مليون ريال.
ولنأخذ حالات الطرق الطويلة منها والقصيرة مثلًا، فمنها ما هو تحت إشراف وإدارة (وزارة النقل)، ومنها ما يخص الأمانات والبلديات. هذه الطرق إما أن تكون مؤشرًا حضاريًا راقيًا، وإما أن تكون مؤشرًا على فساد كامن. ليس المال وحده هو الفصل والحكم، وإنما هو الضمير الحي، فإن لم يكن الضمير حيًا، فالرقيب لابد أن يكون حيًا ليظل المؤشر الحضاري الإيجابي حيًا.
يموت الضمير حتمًا حين لا يبالي المسؤول إن عثرت دابة أو قُتلت عائلة كما حدث خلال شهر واحد حين أزهقت أرواح عائلتين في طرق جازان، وأخرى في إحدى عقبات الباحة، ويموت الضمير قبل ذلك حين يُسند الأمر إلى غير أهله، ثم يكون مجرد الإعفاء هو غاية العقوبة وشدتها.
وفي المدن الكبرى حُفر لا تُعد ولا تُحصى! وهذه عكاظ (18 ديسمبر) تتحدث عن آلاف الحفر في شوارع جدة وحدها يُنسب أغلبها إلى شركة مساهمة كبرى هي شركة الكهرباء. في جدة لا يكاد يسلم طريق أو شارع من حفرة هي أقرب ما تكون إلى الفخ الذي لا تكاد تنجو من أذاه مركبة تقع فيه.
اليوم لابد من مشاركة المواطن في الكشف عن هذه المواجع. وددتُ شخصياً المساهمة بالتوقف عند كل حفرة أراها، وأعيش فصول أذاها لأُصوِّرها بجوالي ثم أرسلها مع موقعها الجغرافي إلى جهة تسمع صوتي وترى مكان الحفرة ومكاني، ثم تتحرك فوراً للتأكد من بياناتي، ولتقاضي السبب فيمن عبث في الشوارع والطرقات.