تعد الأستاذة عائشة حامد كامل خجا، أول خبيرة في الإرشاد لمعالم السيرة النبوية وآثار وتاريخ المدينة المنورة، ورثت ذلك عن والدها، وأخوالها، ودعمت ذلك بالدراسة والبحث، حيث نالت الإجازة في هذا المجال من شخصيات عديدة، لها سهمها الوافر في مجال الآثار النبوية ومعالم المدينة المنورة.. «عاشة» استقالت من التعليم رغبة في التفرغ لهذا العمل الكبير، وتتلقى طلبات تنظيم الرحلات السياحية بشكل شخصي، لزوار المدينة من كافة أنحاء العالم، تبدو رافضة للقب «مرشدة سياحية»، معتبرة أنه لا يتناسب وروحانية العمل في الآثار النبوية ومعالم المدينة المنورة، ممتدحة قرار السماح بمنح السيدات رخصا لممارسة الإرشاد السياحي، ومبدية استعدادها التام لنقل خبراتها لجميع الراغبات في الانخراط في هذا المجال.. في سياق هذا الحوار مع «عائشة» ستأخذنا معها في تفاصيل رحلة سياحية، وتكشف لنا عن بداياتها، وحلمها وغير ذلك محاور أخرى طي هذا الحوار..
اهتمام مبكر
•
من الذي ساق خطاك نحو عالم الإرشاد السياحي لآثار المدينة المنورة؟
أنا أنتمي لإحدى عوائل المدينة العريقة؛ فجدي كامل محمد خجا، شاهبندر التجار في المدينة المنورة، كما أن أجدادي كانوا معلمين وقضاة في المدينة المنورة منذ أيام الحكم العثماني، ودرست في كلية التربية بقسم انجليزي وعملت معلمة لمدة 17 عامًا، وبعدها طلبت التقاعد المبكر؛ ولكن إدارتي رفضت، فتقدمت باستقالتي من التعليم، وكان ذلك بسبب رغبتي في التفرغ للعمل الإرشادي لآثار المدينة، التي غرس حبها في قلبي والدي السيد حامد كامل خوجا، وأخوالي، وبخاصة خالي علاء الدين البكري، الذي كان عالمًا شرعيًا، وعلمًا من أعلام المدينة المنورة في مجال التاريخ والسيرة النبوية، وخالي الثاني أنور البكري الذي يشغل منصب عميد قسم الدراسات الإسلامية والتاريخ، والحاصل على جائزة الملك فيصل لمنجزاته وخدماته الإسلامية، وله من المؤلفات الكثير، كلها في تاريخ وآثار المدينة المنورة؛ ولذلك فقد كان موضوع الآثار والاهتمام بها من حيث التوثيق والاطلاع الوثائقي لآثار المدينة المنورة جزءًا من حياتي منذ الصغر؛ لأن عائلتي ونشأتي كانت تدور في هذا المحور، خصوصًا وأن المعروف عن أهل المدينة المنورة ومكة المكرمة قديمًا، وقبل 100 عام، أنهم كانوا مهتمين بالحجاج والمعتمرين ومدهم بكل ما يحتاجونه من معلومات أو خدمات، ولذلك كانت بيوت المدينة ومكة مفتوحة لهم، وكان طراز البيوت آنذاك يشتمل على القاعة أو الديوان وهي مخصصة لضيوف الرحمن على مدار العام، وليست في المواسم فقط، لذلك عشقت هذا المجال من الطفولة.
دراسة وإجازات
•
متى كانت بدايتك الفعلية في هذا المجال؟
البداية الفعلية كانت بعد وفاة والدي؛ لكن سبقت ذلك مرحلة توجهت فيها للاطلاع المكثف والمفصل، ودرست كتبًا كثيرة عن السيرة النبوية وأخذت إجازات من عدد من المختصين أمثال الشيخ عبدالعزيز كعكي، وهذا الرجل له فضل عليَّ كبير، ثم تتلمذت بعدها على يد الشيخ السيد محمد علوى المالكي، وبعدها أسست حلقة عائلية لتدريس السيرة النبوية، ضمت عددا من أفراد عائلتي وصديقاتي وبعض المهتمات بهذا المجال، وأثناء انشغالي بالسيرة النبوية في الحلقات التي كنت أنظمها كانت تمر عليَّ أسماء أعرفها وأماكن لا أعرفها، فلجأت للدكتور عبدالعزيز كعكي، صاحب متحف تراث المدينة، ولديه أكثر من (50) مؤلفًا عن تاريخ المدينة، وحصل على جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، كما استعنت أيضًا بالدكتور أحمد الشعبي، وله أيضًا مؤلفات عديدة في هذا المجال، ومن هنا بدأت من منطلق علمي تاريخي في النزول والمسح الميداني للأماكن التاريخية المذكورة، وكنت أصحب في البداية مجموعات من عائلتي لزيارة هذه الأماكن، ولم يمضِ وقت طويل حتى انتشرت بين الناس معرفة أني أقوم برحلات ميدانية لآثار نبوية مهمة، مع معرفة قصص كل مكان، فبدأ الإقبال عليَّ يكثر، ومن تلك كانت الانطلاقة، ولدي الآن (15) سنة في هذا المجال. وأحب التنويه هنا إلى أن من يمتلك خبرة بحث في مجال معين في أمريكا والدول المتقدمة، ويبرز تميزًا في تخصصه فإنه يمنح الدكتوارة الفخرية، وتتسع أمامه مجالات التوظيف، ويفضل على غيره، وأنا ولله الحمد لي في هذا المجال 15 عامًا من البحوث والدراسات المتخصصة التي قمت بها وتؤهلني لذلك.
لقب غير مناسب
•
هل انتسبت لأي مؤسسة سياحية أو شركة في هذا المجال؟
لا ليس لدى مؤسسة، ولا أعمل تحت مظلة شركة سياحية أو مؤسسة. وهنا أود أن أشير إلى أني عرفت بوصفي مرشدة سياحية، وبصراحة لا أفضل هذا اللقب، لأن ما أمارسه هو الإرشاد لمعالم السيرة النبوية وتاريخ المدينة المنورة، بما يحوطه من روحانية وعظمة المكان، وهو مختلف تمامًا عن الإرشاد السياحي، الذي يأخذ معنى أعم من الآثار، ويمكن القول - إن صح التعبير - أني متخصصة لمن ينشد ويبحث عن السياحة الدينية.
تواصل شخصي
•
إذن كيف يتم التواصل معك لتنظيم الرحلات السياحية؟
حسب المعرفة، حيث يتم الاتصال بي من قبل عائلات وأفراد أو زوار من خارج المدينة يطلبون رحلة لمعرفة آثار المدينة ومعالم السيرة النبوية وأقوم أنا بتوفير الباصات حسب العدد وننطلق في الرحلة، والتي في أغالب تأخذ من الوقت مايقارب 5 ساعات، وفي الرحلة نتوقف في كل معلم وننزل، وأقوم بالشرح لقصة وحكاية المكان، وأهميته، والحمد لله أجد إقبالاً كبيرًا من كافة الشرائح، حتى إن المدارس والجامعات تنسق معي دائمًا رحلاتها.
الرحلة الماتعة
•
من أين تبدأ هذه الرحلات وما هي سماتها العامة؟
جولاتي الأثرية تسمى على «خطى الحبيب»، وفي بداية أي رحلة أقوم بها تكون من طريق دخول النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وهو طريق الهجرة بالتحديد آخر 14 كيلو، هو الطريق الذي سلكه عليه الصلاة والسلام للدخول على مزرعة العصبة أو النور قديمًا، وكانت تسمى «اطم الضيحان» لبني جحجبه، وكان المكان تسكن فيه السيدة سلمى بنت عمرو الخزرجية، عمة السيدة آمنة بنت وهب، أم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والنبي صلّى الله عليه وسلّم، كان يتردد على هذا المكان دائمًا، وفيه مسجد صلّى النبي فيه مع أصحابه، وتوضأ فيه من بئر الهجيم، والمسجد والبئر موجودان حتى اليوم وتحت رعاية هيئة الآثار والسياحة للترميم. بعدها ندخل إلى طريق ثنية الظبي عند مسجد بني انيف، أو مسجد مصبح، وهذا قصته أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، صلى فيه صلاة الصبح، لذلك سمى بهذا الاسم، بعدها يأتي مسجد قباء، وهناك منازل الأوس (العوالي حاليًا)، وبني النجار، الأهم الخزرج عند الحرم النبوي، ومن مسجد قباء هناك مزرعة الهلالية؛ نسبة إلى هلال بن أمية، أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وهذه موجودة ومتاحة للزيارة، خلف مسجد قباء وقف بني واقف من بطون الأنصار، وأسوار المدينة القديمة، وهذه قال فيها عليه السلام «لا تهدوا آطام المدينة فإنها زينتها»، والآطام المقصود بها الأسوار.. بعدها تستمر الجولة وندخل منطقة حصار بني النضير، والتي يوجد فيها مسجد الفضيخ، والمسجد غير موجود الآن؛ لكن أسواره موجودة، وهذا المكان قصته أنه أقيمت فيه خيمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حصار بني النضير، ومكث عليه السلام مدة 14 يومًا، أما مسمى الفضيخ فهو وادي سُمّي بهذه الاسم لأنه عند نزول آية التحريم للخمر قام الأنصار بحمل القرب الفخارية المليئة بالخمر بإحضارها للوادي وقاموا بكسرها، وفي طريقه أنشأ مسجدا سمي أيضًا بالفضيخ، أيضًا لا ننسى مزرعة سلمان الفارسي، وهو أيضًا تحت حماية هيئة السياحة والآثار، وفي الرحلة لا يمكن أن نغفل بئر غرس، وهذا البئر قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا مت اغسلوني من بئري بئر غرس فإنها من آبار الجنة»، ويقال أن النبي صلّى الله عليه وسلّم توضأ منه وبصق فيه، وأهدي له عسل فصبه فيها، وهذا رواه ابن ماجه، وهي
لأناس ونزعت ملكيته والآن هو تحت هيئة الآثار والسياحة أيضا ويمكن زيارته أيضا لاننسى مزرعة سوالا التي كانت لعبدالرحمن بن عوف.. ما ذكرته فيض من غيض؛ لأن هناك آثارًا كثيرة لا يسعنا أن نمر على كل واحدة منها، أيضًا هناك أماكن صلى فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم غير المسجد النبوي ومسجد قباء في أكثر من موضع، وحصرها الباحثون والمورخون وقالوا إنها (96) موضعًا، وفي عهده قام عمر بن عبدالعزيز بحصرها وبناء مصليات فيها؛ لكن لم يبقَ منها اليوم إلا (42) مصلى، وبالتالي نجد أن المدينة المنوّرة غنية وثرية بالمعلومات، ولذلك فالرحلات التي أقوم بها تأخذ من الوقت والجهد الكبير؛ لأنها ليست آثارًا عادية؛ وإنما هي آثار للعاصمة الإسلامية الأولى في التاريخ الإسلامي، وهذه أمر مهم جدًا.
هامش بسيط
•
هل واجهتك انتقادات بسبب الروايات وذاكرة الأمكنة التي تتحدثين عنها؟
أي سؤال يوجه لي أواجهه بالمراجع والكتب التي وردت فيها قصص كل مكان، وعمومًا هناك اختلاف أو تعارض بين المؤرخين نأخذه بعين الاعتبار؛ لكن لا نعرضه للعامة حتى لا يقعوا في التشكيك واللبس، وهامش الاختلاف دائمًا بسيط، وليس كبيرًا في كل الروايات.
مشاعر فياضة
•
ما نوعية الزوار.. وكيف تبدو مشاعرهم عند كل أثر؟
هم كثر، من زوار المدينة المنورة من كل مناطق المملكة، ومن أهل المدينة من الأسر والمدارس والكليات ومن الزوار من خارج المملكة فقد نظمت رحلة لمسلمين اليابان وكندا وأمريكيا.. أما بخصوص مشاعرهم فبصراحة لا يمكن وصف مدى التأثر الذي يصل في بعض الأحيان لدرجة البكاء وهم يرون أماكن الرسول صلّى الله عليه وسلّم والصحابة وقصص كل مكان.
قرار صائب
•
كيف تنظرين لخطوة منح النساء تراخيص للعمل مرشدات سياحيات؟
هذا ما كنت أنتظره من زمن، رغم أني لا أتطلع لعمل مؤسسة سياحية حتى لو صدرت تراخيص، لكن يمكن أن أستفيد بعمل إعلانات أستطيع ترويجها في الفنادق، لأنه حاليًا لا يمكن أن أضع أي إعلان في أي فندق؛ فالتراخيص يمكن أن تسهل علينا في جزئية التسويق، فالمرأة دخلت في كل المجالات، وأثبتت قدرتها على التميز والنجاح، وشرفت بلدها داخليًا وخارجيًا، وهي الأولى من غيرها بأن تعمل مرشدة سياحية.
نقل المعرفة
•
ما الذي تحتاجه الفتيات ليكن مرشدات ناجحات؟
المعرفة أولاً، والاطلاع على تاريخ الأماكن وقصصها وأبرز شخصياتها، إلى جانت كيفية التعامل مع المجموعات، وإيصال المعلومة لهم. وباعتبار إني من الأوائل في هذا المجال فأنا على استعداد أن أقوم بتدريب الفتيات، ونقل العلم الذي أعرفه والتاريخ لهن ليواصلن في نشر المعرفة عن التاريخ النبوي الإسلامي في المدينة المنوّرة، وأنا هنا أتحدث تحديدًا عن منطقة المدينة المنورة، وحلمي أن أنقل ما أملكه من معرفه للأجيال القادمة حتى لا يندثر، ولأن المدينة كل شبر فيها واحة معرفة.
عائشة خجا: استقلت من التعليم رغبة في التفرغ لآثار المدينة المنورة
تاريخ النشر: 14 فبراير 2018 03:25 KSA
أول خبيرة في الإرشاد السياحي..
A A