لعل من أول ما يمر بالخاطر عند سماع أنباء إسقاط المقاتلات المتطورة، في بؤر الصراعات والحروب الدولية المعاصرة غير المتكافئة، هو توازن الأسلحة الرادعة، خصوصا عندما تكون من الطرازات المُصمَّمة خصيصا للقتال الأرضي المنخفض، كـ»صواريخ أرض جو»، المحمولة على الكتف، التي يصل مداها ما بين 8 - 10 كم، بينما لا يزيد وزنها عن 10 كغم.
وهو ما حدث تماما في شمال سوريا السبت قبل الماضي، عندما قامت بعض الفصائل السورية كـ(هيئة تحرير الشام المعروفة اختصارا بتحرير الشام، المُصنَّفة بأنها منظمة إرهابية) بإسقاط طائرة حربية روسية مقاتلة من طراز «سو خوي 25» في محافظة إدلب بشمال سوريا، ومِن ثَمَّ قتل الطيار الذي تمكَّن من الهبوط من الطائرة. مما يُعيد للذاكرة؛ الهزيمة السوفيتية الفادحة أمام المقاتلين الأفغان المزودين –آنذاك- بصواريخ «ستنغر»، المحمولة على الكتف، التي زوّدتهم بها القوات الأمريكية –آنذاك- نكايةً في السوفييت، فكانت السلاح الحاسم الذي أثبت أنه من أهم الأسباب في هزيمة الاتحاد السوفيتي السابق أمام المقاتلين الأفغان 1989م. فهل يا تُرى سيُعيد التاريخ نفسه في بلاد الشام؟!. هذه الأحداث استثارت الغضب الروسي مرة أخرى على تركيا، بعد أن كادت سابقا أن تؤدي إلى أزمة روسية - تركية إثر قيام تركيا بإسقاط طائرة روسية اخترقت الأجواء التركية عام 2015م، بصفة تركيا هي المشرفة على المنطقة العازلة بشمال سوريا المتاخمة للحدود التركية، لكن روسيا تعلم يقينا بأنه من شبه المستحيل التصدِّي لهذا النوع من الهجوم الصاروخي المباغت، اللهم إلا إذا أخليت المنطقة كلها من سكانها. وكالعادة قامت روسيا والنظام الحاكم في سوريا بالإغارة على المدنيين العُزَّل، وقتل المئات منهم تحت ذريعة قتل
الإرهابيين الذين أسقطوا الطائرة.
أما الغرب الكذوب المتقلِّب القِيَم، يريد أن يُزوِّد تحرير الشام وغيره من المنظمات المقاتلة بسوريا بالصواريخ المحمولة على الأكتاف وسواها من الأسلحة النوعية نكاية في الروس، لكنه يتحاشى فعل ذلك بصورة علنية سافرة، نظرا لأن ذلك يُعتبر في ظل القانون الدولي جريمة حرب، لذلك لا بد من الالتفاف على القانون الدولي من خلال إعادة تصنيف منظمة تحرير الشام إلى منظمة غير إرهابية. حتى وإن أدت هذه السياسات إلى زيادة احتمالات الصدامات المباشرة بين أمريكا وروسيا في الشام، فالكل هناك ليبقى، وليس للانسحاب لأي مكان آخر. فيجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن للكل -حسب معتقداته- تربُّصا بتطوُّر الوضع إلى أعنف صدام بين بني البشر شهدته البشرية في تاريخها الطويل في الشام، والذي أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم: الملحمة الكبرى، ويطلق عليه الغربيون مُسمَّى هرمجدون.
من المؤكد أن امتلاك الصواريخ المضادة للطائرات في يد مجموعات مصنفة على أنها إرهابية، يعني أن هناك من دول الصراع مَن يُزوِّدها في الخفاء بهذه الأسلحة المتطورة. ويبدو أن الأحداث في سوريا -بل في الشام- تتصاعد، حتى يبلغ الكتاب أجله في الوقت المعلوم عند علَّام الغيوب.